هل
(لقد عرفت الأب قبل الابن )
***************************************
أعزائي القراء تحية حب وتقدير واحترام.. وبعد،
جوابا عن التساؤل أعلاه فإن الذكريات التي تعانق الروح لا يمكن لها أن تغادر الذاكرة … خاصة حينما يجمعنا القدر بشخصية متميزة برقي الأخلاق ونزاهة المعاملة وجمال الأدب، وأعني بذلك والدكم سي الحاج “محمد بالمهدي”، الذي جمعتني به أيام وليالي، لحظات وسويعات، فرسمت فسيفساء جميلة من المحادثات والمناقشات المتواصلة، كلما كنت أجالسه في دكانه ببوسعادة، وكلما كان يجالسني لما كانت تسوقه الأقدار لزيارة الحجاز حجا أو عمرة.
… عاملته وسافرت معه وجاورته… ومنذ سنوات غادر الحياة في ريعان شبابه، لكنه ما غادر الفكر أو الوجدان، فكلما أنظر إلى محياكم البهي الطلعة ابني الغالي الدكتور الشيخ سي الحاج “يوسف بن المهدي”، أتذكر تلك الأمنيات، التي ملأت كلمات والدكم وغذت روحه، حينما كان يقول لي دائما : “أتمنى أن يكون أبنائي من طلبة العلم”… نعم يا صديقي (نم وأنت قرير العين)، فإن ابننا الحبيب أصبح شخصية فكرية، علمية له وزنه في المجتمع البوسعادي والجزائري والعربي والإسلامي، إنه علم من أعلام الجزائر، له جهوده الكبيرة في خدمة الوطن والعلم والعلماء، فهو وأمثاله من ورثة الأنبياء، وقد أخذ نصيبه من هذا الميراث، ناهيكم على أن قدره لا يخفى على أحد، والمتجلي ممن نهل من علمه عبر حلقاته العلمية ودروسه وخطبه.
وهاهو اليوم هذا الشبل يرعى والده بعد غياب، فيخبرني بعد صلاة عشاء : قائلا لي “أني مازلت احتفظ بالرسائل التي كنت ترسلها لوالدي”، فأجبته قائلا : بأنني كلما رأيتك إلا ورأيت فيك صورة والدك، وأحمد الله أنه حقق له الأمنية التي كان ينشدها، فلطالما تطلع إليك عالما فذا، فإذا به أصبحتَ أمة تتحرك.. كسحابة معطاءة أينما حللت أمطرت صيبا نافعا، تتفتح العقول لكلماتك، وتنشرح النفوس قدوة بك، وتمتلئ فرحة وغبطة لرؤية محياك البهي.. فحفظك الله لوطنك الغالي الجزائر ولمدينتك بوسعادة وأهلها.
وأخيرا، ورغم أنه ليس من دأبي ولا عادتي ولا سجيتي أن أبدي رأيي في حكم مسؤول أو موظف أو مواطن، لكن هذا لا يعني أني لا أعرف ما لي وما علي من حقوق وواجبات، وبالتالي ارتأيت أن أذكر شهادة يسألني بها الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون.
لذلك يا إبني الغالي، أقول لك بأن بوسعادة وأهلها والجزائر وطننا الغالي محتاجون لك، تفيض عليهم بعلمك وتنير طريقهم بفكرك، فأدامك الله نبراسا لنا ولأمة نتمناها تسير قدما للأمام بأمثالكم، فلا حرمنا لله من طلتكم في أي حال كنتم……….. ودمتم سالمين
