حينما اطلعت على أهم الأحداث التي لم أتفاعل معها في وقتها بسبب المرض وجدت حدثا مهما مؤلما أحزنني وعاد بي إلى ذكريات جميلة مع ثلة من الطيبين، الذين أحسبهم من أولياء الله، الذين عرفناهم في بدايات الصحوة وبقوا ثابتين على مبادئهم ورسالتهم، كل في المكان الذي صيره الله إليه.
إنه خبر وفاة أخ عزيز وصديق وفيّ، عالم كبير وداعية من الطراز العالي، إنه أخي ورفيق الدرب في بدايات تأسيس الصحوة ونشر الدعوة الشيخ الفاضل الجليل أحمد قاسمي الحسني رحمه الله رحمة واسعة.
تعرفت على أخي أحمد قاسمي سنة 1980 بجامعة سطيف في الأيام الأولى التي التحق بها بالجامعة سنةً بعدي، كان اللقاء زيارة له في مكان إقامته بوسط مدينة سطيف مع ثلة من الشباب الطلبة الجدد، وكان اللقاء لقاء خير وبركة بُنيت عليه أخوة لم تنقض عراها أبدا، وثباتا على فعل الخير ونشره إلى أن وافته المنية.
كان الأخ أحمد من أكثر الطلبة المؤثرين بسمو أخلاقه وقدوته ورمزيته وسحر بيانه، وكان بحق من إخواننا الذين ساهموا مساهمة كبيرة في جعل جامعة سطيف قلعة من قلاع التأسيس في الولايات التي كان يأتي منها الطلبة للدراسة، والشباب الذي كانوا يأمون الجامعة لحضور مختلف المناشط الإسلامية لا سيما معرض الكتاب الإسلامي السنوي الذي تحول إلى محجة يقصدها الناس بالآلاف طيلة أسبوع كامل.
كان الشيخ أحمد من خطباء المسجد الجامعي البارعين المتميزين، ومن المدرسين المفضلين في قضايا الأمة والمواعظ وفي التاريخ الإسلامي وعدد من العلوم الشرعية، علاوة على مقارعته الأفكار الهدامة بالفكر والمحاججة المقنعة، والدعوة الفردية والاهتمام باستقطاب الشباب إلى حد جعل حجرته الجامعية كأنها زاوية لا تفرغ من الزائرين والمتعلمين والمحبين.
كان موضوع دراسة أحمد البيوكيمياء وعلوم المناعة ثم سجل معها شهادة الماجستير ثم الدكتوراه في العلوم الإسلامية في أحد مجالات الإعجاز العلمي، وحين أنهى الدراسة تحول إلى شخصية محورية في العمل الإسلامي في مدينة بوسعادة التي تميز فيها مع إخوانه بالدورات و المخيمات الشرعية المكثفة للشباب، ومختلف المناشط الإسلامية الأخرى، وقد خبرناه رجل شرف ومروءة في العديد من الأزمات التي مرت بها الحركة الإسلامية في الولاية فكان وفيا لإخوانه، مفتاح خير مغلاق شر، قليل الكلام كثير العمل، يُعتمد عليه دوما في جمع الكلمة والحفاظ على الصف، وكان صلة طيبة بين الصحوة الإسلامية في المنطقة وزاوية الهامل الرحمانية القاسمية الذي هو ابنها وأصيلها، ثم أصبح إماما لأكبر مسجد في بوسعادة مسجد البشير الإبراهيمي، ولقوة تأثيره وعذوبة منطقه وعمق نفعه أصبح داعية يتنقل في مختلف ولايات الوطن إلى أن أصابته رحمه الله العديد من الأمراض فأصبح غير قادر على تحمل أعباء الأسفار، وأزعم أنه لو لم يمسكه المرض لكان عالما وداعية ومفكرا عالميا لا يشق له غبار، وكم هو عدد الرجال الذين درسوا في جامعة سطيف وأصبحوا اليوم إطارات ومسؤولين في العديد من القطاعات والمؤسسات الذين يفاجئونني بالسؤال عنه عبر السنوات حين ألتقي بهم قدرا في بعض المناسبات وكنت أنا شخصيا قد نسيتهم.
ومن أهم الأعمال التي برع فيها الشيخ أحمد رحمه الله العمل الخيري من خلال جمعية كافل اليتيم التي كان يديرها ويحرك من خلالها منظومة تضامنية فاعلة في بوسعادة، ورغم كثرة أمراضه لم يُرح جسدَه يوما، ولم يتوقف عن البذل والعطاء حتى ترجل نهائيا مع آخر بلاء حيث أبعده الداء العضال الذي كان سبب وفاته رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وحفظ أهله ورفيقة حياته ومسيرته التي هي كذلك من الدعاة النساء الأوائل في جامعة سطيف ثم في بوسعادة، وحفظ الله أبناءه وجعل ذكره في الصالحين مع الأنبياء والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
عبد الرزاق مقري