الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة السعيدة 8 تاريخ وحضارة 8 الحلقة الثالثة من التدريس والتعليم القرآني في بوسعادة خلال القرن 19

الحلقة الثالثة من التدريس والتعليم القرآني في بوسعادة خلال القرن 19

علماء خدموا الوحي : العالم الثائر محمد بن علي بن شبيرة(الحلقة الثانية)
ينتمي الشريف محمد بن علي بن شبيرة الى عائلة جمعت بين العلم والجهاد الى عرش أولاد سيدي سليمان(1)، الذي تنحدر أصوله إلى الأشراف الادارسة الآتين من الساقية الحمراء. من المرجح أن الشيخ محمد بن علي بن شبيرة ولد في أواخر المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر. ترعرع بين أحضان أسرته المحافظة، وبدأ يحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة منكبا عليه حتى أتم حفظه .ثم تفرغ بعد ذلك لتحصيل العلوم الشرعية آخذا عن علماء منطقته حتى اذا تضلع من المنقول والمعقول إنتصب للتعليم والتوجيه في مسجد سيدي ثامر( النخلة)، فتخرج على يديه طلبة وشيوخا. وقد قام تلامذته النجباء، الذين أصبحوا شيوخا فيما بعد بإنشاء زوايا و مدارس قرآنية، على غرار ما قام به أخوه أحمد بن شبيرة ، الذي أنشأ مدرسة قرآنية بعين النخلة بمنطقة العليق على بعد 25 كلم من مدينة بوسعادة. وقيل إنها بتوجيه منه كما سنرى في حديثنا عن اخيه أحمد.
ولا أستبعد أن الشيخ بن شبيرة قد ترك آثاراعلمية، ومراسلات كانت تتم بينه و بين علماء عصره، أو مع زعماء المقاومة،و مشايخ الطرق الصوفية(2). ولكن كل ذلك ضاع. فمن البديهي القول أن الكتب والوثائق كانت من الضحايا الأولى للإ حتلال الفرنسي، و هناك أسباب معروفة وهي الحروب الطويلة والمدمرة التي تلت نجاح الحملة الفرنسية وتصاعد المقاومة، ثم التلف المقصود وغير المقصود، الذي يصيب الكتب عند الفوضى والهروب والإختفاء ونحو ذلك، ثم الحرائق والتآكل. ومن جهة اخرى هناك اسباب غير معروفه للجميع، وهي سرقة الكتب المخطوطة والوثائق العائلية من قبل الفرنسيين بالإعتداء الصارخ أحيانا و بالتحايل أحيانا اخرى ،وكذلك بالإئتلاف الذي لا يرجع إلى صاحبه.
ومن نكبات الدهر الذي تسلط على الجزائر هم ضباط المكاتب العربية العسكرية الذين تمركزوا في كل مدينه و كل دوار. وكانوا يريدون معرفة كل شيء عن العائلات والافراد، وعن الأنساب والتواريخ، وعن التراجم والتصوف. فكانوا يأخذون كل ما وقعت عليه أيديهم وعيونهم. ومن هنا لانستبعد أن كل الآثار المرتبطة بحياة بن شبيرة تم الإستيلاء عليها من قبل الفرنسيين.
كان الشريف محمد بن علي بن شبيرة أحد مقدمي الطريقة السنوسية لدى أعراش سيدي نائل. وفي هذا الصدد تشير التقارير الفرنسية حول إنتشار الطريقة السنوسية في شمال إفريقيا ،أن محمد بن علي بن شبيرة، كان مقدما لها في المنطقة وأنه أخذها عن الشيخ السنوسي(3).
وتصف التقارير الفرنسية أن الشيخ بن شبيرة كان يعيش حياة هادئة لم يهتم بالسياسة، و حافظ على مكانته ودوره كمرابط هاديء، وأنه أحد الشخصيات الدينية التي إتبعت منهجا وسلوكا مسالما،غيرأن الظروف المحيطة به هيأته لأن يكون بطلا( للحرب المقدسة) (4).
وتشهد الوثائق التي إطلعنا عليها أن بن شبيرة يعد من كبار مدينة بوسعادة، وصاحب النفوذ فيها بسبب صفاته المتميزة بالإستقامة والصلاح. وقد إنتشر صيته ليس فقط على مستوى أعراش سيدي نايل، بل كذلك في اعراش الحضنة .حيث كان يفد إليه الجم الكثير، وهو الأمر الذي جعل الناس ينقادون إلى ندائه بالجهاد. فالتقارير الفرنسية التي تحدثت عن حركته الثورية تشير إلى أنه على إثر إتصالاته مع شيوخ واحة الزعاطشة وشيوخ أولاد نايل لحثهم على الإستعداد للجهاد، ومناصرة إخوانهم في الزعاطشة، أن مدينة بوسعادة قد تحولت إلى ورشات لصناعة البارود كما تحول سوقها إلى لقاء منتظم بين الثوار القادمين من الزعاطشة، وثوار أهل بوسعادة(5).
ويبدو أن الشيخ بن شبيرة كان يشرف على مؤسسة الاوقاف الملحقة بالمسجد الذي كان يشرف عليه .كان يوزع ريعها على الفقراء والمساكين في نظام محكم، وذلك في مواسم معينة مثل رمضان والحج، أو في الحياة اليومية بالنسبة للعجزة والأيتام وغيرهم. و للمدارس القرآنية نصيبها من هذه المساعدات، وكذلك التلاميذ وكان تمويل مؤسسة الأوقاف يأتي من المحسنين، وقد كان إبن شبيرة أحد هؤلاء فكان ميسور الحال بناء علي الأملاك التي تركها بعد ثورة بوسعادة عام 1849، و تمت مصادرتها من قبل الفرنسيين .وقد ذكرت المصادر أن من بين ما تصرف فيه أموال الأوقاف ترميم وصيانة المساجد فقد وجدنا ّأن الشيخ بن شبيرة كان يشرف بنفسه على صيانة وتر ميم مسجد سيدي ثامر( النخلة)(6).
يذكر السيد عبد القادر بن شبيرة رحمه الله أحد أحفاد بن شبيرة في لقاء جمعني وإياه(7) أن الشيخ كان متزوجا من إمرأتين رزق من إحداهن ببنت إسمها خديجة وبولد إسمه ضيف الله. ولكن بعد عثورنا على بطاقة وفاه للمسمى ضيف الله Bulletin de décee مؤرخة في 30 مارس 1919الصادرة من مصالح الحالة المدنية état civile بمدينة تالة محافظة القصرين أن ضيف الله هو إبن أخيه أحمد وأن أمه هي قارة بنت محمد.
تجمع المصادر أن الشيخ محمد بن علي بن شبيرة توفي بالقصرين سنة 1851م.هذا عن محمد بن علي بن شبيرة أما عن أخيه أحمد الذي جمع هو الآخر بين السيف والقلم فلنا حديث معه في حلقتنا القادمة إن شاء الله.
الهوامش:
(1) يذكر صاحب الإفادة مما علم من أخبار بوسعادة الشيخ خليفة الحاج محمد بن زروق أن سليمان ينسب الى ربيع بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سيدي بوزيد بن مهدي بن رضوان بن سيار بن موسى بن عيسى بن إبراهيم بن سليمان بن موسى بن عيسى بن المولى إدريس وانه قدم إلى بوسعادة في حدود سنه 1387 وهو أول من قدم اليها .وبالتالي حسب روايته يعد من المؤسسين الأوائل لمدينه بوسعادة وكانت بوسعادة مستوطنة من قبل قبيلة البدارنة وأثناء قدوم سليمان بن ربيعة إلى بو سعادة بني زاويته وأخذ يعلم القرآن والفقه ويفصل في القضايا الشرعية ويؤم الناس في الصلاة. ويذكر أن الشيخ سيدي تامر قد إلتحق به في أواخر القرن الرابع عشر حيث قاما معا بتشييد مسجد النخلة(سيدي ثامر) للإطلاع اكثر على كتاب الإفادة أنظر دراسة وتحقيق الأستاذ محمد بسكر لكتاب الإفادة بما علم من أخبار بوسعادة للشيخ الحاج محمد بن الزروق خليفة .دار كردادة للنشر والتوزيع بوسعادة /الجزائر 2014.وتكاد رواية الشيخ الحاج محمد بن الزروق مع الروايات الفرنسية عن المؤسسين الأوائل لمدينة بوسعادة ومنها:
Aucqpitaine(H) notice sur Bou saada R.A 1862.p46
-Léon Lehuraux. Bou-Saada, cité du bonheur Reliure inconnue – 1 janvier 1934
-Charle feraud Hist des villes de la province de constantine tome 5 impr. V. Aillaud et Cie (Alger) 1877p341.
ولكن هذه الروابات عن المؤسسين الأوائل للمدينة لايمكن التسليم بها على إطلاقها ذلك أن منطقة بوسعادة كانت آهلة بالسكان عند الإحتلال الروماني لها وبناء حصن بها ضمن ما يسمى الليمس الروماني عن هذا الموضوع يمكن الرجوع للدراسة الآتية:
Commandant couvet l’occupation Romaine de Bou saada in B.S.G.A .ne 132 Alger.1932.
(2)تشير العديد من الوثائق إلى الرسائل المتبادلة بين الشيخ بن شبيرة وبوزيان زعيم الزعاطشة ،وأيضا إلى الدعوات التي كان يبعثها إلى شيوخ واحة بوسعادة وشيوخ أولاد نائل لحثهم على الإستعداد للجهاد ،وبحكم إنتمائه للطريقة السنوسية فمن المؤكد أنه كانت بينه وبين مشايخها مراسلات، ناهيك عن تقييدات لدروسه وفتاواه التي كان يلقيها أثناء إشرافه على مسجد سيدي ثامر ببوسعادة.
(3) سي محمد بن علي بن سنوسي الخطاب الحسيني الادريسي المجاهري ولد سنه 1806ه(-1791 1792) بمستغانم درس على مشايخ منطقه مستغانم وما زونة ومعسكر ثم انتقل الى فاس سنه 1821 والتي بقى فيها سبع سنوات واخذ عدة طرق من المغرب كالشاذلية والدرقاوية و التيجانية ثم قفل راجعا الى الجزائر متنقلا من مدينه الى اخرى ونزل بوسعادة التي أقام بين اهلها عده شهور ومنها بلغته أنباء الحملة الفرنسية على الجزائر .ومن المحتمل جدا أنه كون مريدين بمدينة بوسعادة وعلى راسهم محمد بن علي بن شبيرة ثم انتقل الى مصر ومنها الى مكه حيت التقى شيخه احمد ابنه إدريس الذي تتلمذ على يديه وأخذ عنه التصوف .ولما توفي خلفه في التدريس و بني زاويه علي جبل أبي قبيس المطل على مكة ثم إنتقل الى اليمن ثم عاد ليستقر بصحراء ليبيا حيث أسس الزاوية المشهورة بوا حة شغبوب .توفي سنة 1859 و ترك عدة مؤلفات من بينها أسانيد الشيخ السنوسي في التصوف و الشموس الشارقة فيما لنا من أسانيد المغاربة والمشارقة .لمزيد من التفاصيل أنظر أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي ج4ط2 دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 2005 ص244 وما يليها.
(4)Rapport adresse au commandant Robert chef du bureau arabe de setif sur l’insurection de Bou saada 4p.A.O.M.carton1I4.sd. وكذلك
CA.O.M.8H7Renseignement geographique et historique subdivision de setif cercle de Bordj Bou arreridj Bousaada et M’sila historique del’occupation de Bou saada.
)5) CA.O.M8H7Historique de l’ occupation de Bou saada.
(6) C.A.O.M68K3 Rapport du bureau des affaires arabes mois d’oct 1851.
(7)مقابلة مع السيد عبد القادر بن شبيرة رحمه الله أحد أحفاد إبن شبيرة أجريت يوم 01/10/1982دامت ساعتين وذلك بمنزله.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: