بعد قمع القوات الفرنسية لانتفاضة أعراش وسكان بوسعادة وفرض سيطرتها الكاملة على المدينة يوم 25 نوفمبر 1849، وبعد تأسيس الكولونيل بان للمكتب العربي في فيفري 1850 ، ساد الهدوء نسبيا أنحاء المنطقة.
لكن هذا الهدوء كان مشوباً بالتوتر، إذ كانت النفوس مضطربة خاصة بعد قمع الانتفاضة بقوة البطش والسلاح. وسط هذا الجو المشحون، برز إبراهيم بن المخلوفي، سنة 1851، ليكون أحد رواد التمرد على السلطة الاستعمارية.
ينتمي إبراهيم بن المخلوفي إلى قبيلة أولاد خالد بوادي الشعير، وقد تأثر بتجربة انتفاضتي الزعاطشة و بوسعادة التي شهد فيها مقاومة أبناء وطنه ضد المستعمر، مما دفعه إلى القيام بعمل جرئ حيث أقدم على قتل اثنين من أعوان المكتب العربي ببوسعادة. اعتُبرت هذه الخطوة تحديًا للوجود الفرنسي وأثارت غضب المستعمرين، وقد سعى المكتب العربي بقيادة الكولونيل بان إلى قمع مثل هذه التحركات، حيث كان ينظر إلى إبراهيم كشخصية محرضة تهدد النظام الاستعماري في المنطقة.
إلا أن موقف المخلوف بن عطية، شيخ قبيلة أولاد خالد، عجّلت باعتقال إبراهيم بن المخلوفي. إذ قام بن عطية بالوشاية به إلى الكولونيل بان الذي أمر باعتقاله ونقله إلى سطيف حيث كان من المفترض أن يُسجن. ولكن قصة إبراهيم لم تنته عند هذا الحد؛ إذ تبعه أخوه ليكون عوناً له في محنته. بذكاءٍ وتخطيط دقيق، استغل الأخ غياب معظم الحراس، حيث لم يبق مع إبراهيم سوى اثنين منهم. عندها، بادر بقتل الحارسين وتحرير أخيه، ليهربا معاً ويشرعا في حياة جديدة من النضال المسلح.
بعد هذه الحادثة، تحول إبراهيم وأخوه إلى ثائرين ضد الفرنسيين. لم يعد إبراهيم بن المخلوفي مجرد محارب محلي، بل أصبح من أبرز أتباع الشريف محمد بن عبد الله، أحد الشخصيات البارزة المقاومة، والذي كان يتبع في فكره وتعاليمه للشيخ محمد بن علي السنوسي.
في أكتوبر 1852، ازدادت قوة المقاومة، حيث انضمت قبيلة أولاد سيدي زيان إلى النضال المسلح. وقام أفراد القبيلة باستقبال إبراهيم بن المخلوفي ممثلاً للشريف محمد بن عبد الله، وأقاموا له مأدبة تكريماً له ولمكانته، مما عكس توحيد الجهود بين القبائل ضد الوجود الفرنسي. وكان هذا الاستقبال تعبيراً واضحاً عن التآزر بين قبائل المنطقة التي كانت ترى في إبراهيم قائداً محلياً يتمتع بالشجاعة والولاء.
ورغم هذه الجهود، لم يغب إبراهيم عن أعين الكولونيل بان الذي كان آنذاك مشغولاً بحملة عسكرية للسيطرة على الأغواط. لكن بعد انتهاء هذه الحملة، وجه بان اهتمامه مرة أخرى إلى قبائل أولاد نايل التي تجمعت في سهل المحاقن تحت راية الشريف محمد بن عبد الله، وكانت هذه القبائل، مثل أولاد امحمد بن المبارك وأولاد اعمارة وأولاد خالد وأولاد رابح وأولاد سيدي زيان، منخرطة في المقاومة المسلحة.
أطلق الكولونيل بان حملة عقابية في ديسمبر 1852 ضد هذه القبائل، مستخدماً سياسة العقاب الجماعي كوسيلة لكسر إرادة المقاومة. وقد قام بمصادرة أكثر من 9000 رأس من الأغنام من القبائل، في خطوة تهدف إلى إضعاف اقتصادهم وزيادة الضغوط عليهم، وكان هذا الأمر بمثابة ضربة اقتصادية ونفسية للقوى المحلية. إلا أن هذه الحملات لم تؤدِ إلا إلى تعزيز المقاومة، حيث أصبح إبراهيم بن المخلوفي والشريف محمد بن عبد الله رموزاً ملهمة للصمود والوحدة بين القبائل.
وبذلك، تجسدت في شخصية إبراهيم بن المخلوفي قيم التضحية والالتزام بالقضية الوطنية. فكان قائداً محلياً يمزج بين الشجاعة والحكمة، ويمثل حلقة وصل بين المقاومة الشعبية والتأثير الديني للسنوسية، مما عزز من رمزيته كقائد يتحدى الاستعمار، وترك بصمته في تاريخ المنطقة كمقاوم ضد الاستدمار الفرنسي.
كتبه : سعيد النعمي.