الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة السعيدة 8 شخصيات من بلادي 8 الدكتور الطيب الباهي… صوتُ العقل والعلم والإيمان كما عرفته

الدكتور الطيب الباهي… صوتُ العقل والعلم والإيمان كما عرفته

عرفتُ الدكتور الطيب الباهي منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وكان منذ اللقاء الأول يترك في النفس أثرًا عميقًا بصفائه، وسعة علمه، واتزانه الفكري والإنساني. لم يكن مجرد أستاذٍ في القانون أو باحثٍ في الأديان، بل كان عقلًا مضيئًا يجمع بين الحكمة والمعرفة، وبين الإيمان والبحث الهادئ عن الحقيقة.
الجذور والبدايات
وُلد الدكتور الطيب الباهي سنة 1949 في حي لومامين ببوسعادة، وسط أسرةٍ مجاهدةٍ عُرفت بعراقتها ووطنية مواقفها. والده الباهي عطية كان من رجال الثورة الأحرار، شارك في تمويل جبهة التحرير الوطني ثم صعد إلى الجبل مقاتلًا حتى استُشهد في سبيل الله والوطن.
تربى الطيب الباهي في بيئةٍ مؤمنةٍ بالعلم والجهاد، حفظ القرآن في صغره، وتلقّى علومه الأولى في مدارس المدينة ومساجدها، وتعلّم على يد نخبةٍ من الشيوخ الذين زرعوا فيه حبّ البحث والمعرفة.
مسار علمي مميّز
بعد تخرجه من المعهد الإسلامي، وُجه ضمن بعثةٍ من جامعة البليدة ليدرس الشريعة والقانون، وكان من الأوائل الثلاثة سنة 1972.
واصل بعدها رحلته العلمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث نهل من كبار العلماء، قبل أن ينتقل إلى مصر لمتابعة دراساته العليا وينال شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون.
أقام سنواتٍ طويلة في الخارج – نحو اثنتين وثلاثين سنة – تنقّل خلالها بين السعودية ومصر وفرنسا، درّس في جامعات باريس، وعمل في منظمة اليونسكو، كما كان عضوًا في بعثة الأمم المتحدة باديس ابابا بمقر السفارة الجزائرية.
العالم المتفتح والمدافع عن الدين
تميّز الدكتور الباهي بمعرفته الواسعة في الأديان المقارنة، وكان ملمًّا بتفاصيل المسيحية واليهودية، يقرأ نصوصها ويقارنها بالإسلام بروحٍ علميةٍ رصينة.
لم يكن متعصبًا، بل باحثًا عن الحقيقة بالحجة والدليل، مؤمنًا بأن الحوار سبيلٌ للتقارب لا للخلاف.
في برامج البالتوك والمجالس الحوارية، كان من الأصوات الهادئة التي واجهت الفكر الهدّام بأسلوبٍ علميٍّ راقٍ، فجمع بين عمق الدليل ورقيّ الكلمة.
من الغربة إلى الوطن
عاد الدكتور الطيب الباهي إلى الجزائر سنة 2004 ليستقرّ في بوسعادة، حيث انشغل بالتدريس والبحث والكتابة. عاش متواضعًا بعيدًا عن الأضواء، قريبًا من طلبته وأصدقائه، محبًّا للحوار والثقافة.
كنتُ أتابع معه خطواته الأولى في عالم الإعلام الإلكتروني، فصمّمتُ له قبل سبع سنوات موقعًا بعنوان “برج الساعة”، تحوّل سريعًا إلى منبرٍ فكريٍّ مميّز نال انتشارًا واسعًا، يجمع فيه مقالاته وتحليلاته حول قضايا الفكر والدين والمجتمع.
صديق العمر
كانت تربطني به صداقةٌ تجاوزت حدود الزمالة إلى المودة الصادقة. دعمتُه بما أستطيع من خبرةٍ في إدارة المواقع، وكان في المقابل نِعم الصديق والموجّه، كريمًا في تعامله، نقيًّا في نواياه، واسع الأفق، محبًّا لبوسعادة وأهلها.
منارة فكرية وإنسانية
كان آخر ظهورٍ له في المكتبة العمومية دلاوي عبد القادر ببوسعادة يوم 04 أكتوبر 2025، ضمن جلسةٍ بعنوان “تقارب الأجيال… حكايات من الذاكرة”، حيث تحدّث بعفويةٍ الأب العالم، مستعرضًا مسيرته وتجربته في التربية والفكر، ومؤكدًا على أهمية التواصل بين الأجيال في بناء الأمة.
تلك الجلسة كانت خلاصة رحلته… فكرٌ وإيمان، علمٌ وتواضع، وحبٌّ لا ينتهي لوطنه ومدينته.
لقد كان الدكتور الطيب الباهي صوت العقل والعلم والإيمان، ترك وراءه إرثًا من الفكر والعطاء، وذكرى طيبة في قلوب من عرفوه ودرسوا على يده.
لقاء الدكتور الطيب الباهي ضمن جلسة “تقارب الأجيال” – المكتبة العمومية دلاوي عبد القادر، بوسعادة أنفو – 04 أكتوبر 2025

 

 

 

رابط اخر لقاء
https://www.bou-saada.info/archives/31995

بوسعادة أنفو – إعداد: أحمد بن قطاف

في جلسة حوارية بالمكتبة العمومية ببوسعادة: “تقارب الأجيال.. حكايات من الذاكرة”

 

عن كل الاراء تعبر عن أصحابها ولا تعبر عن موقعنا

جميع الحقوق محفوطة لموقع بوسعادة انفو 2009 .. 2025