ثيقة
كان من نتائج فشل ثورة المقراني سنة 1872م، أن ازدياد تسلط الاستعمار على الجزائريين، فصادر أموالهم وأحرق حقولهم، وفرض عليهم الأتوات والضرائب المرهقة، ووزع أراضيهم على المعمرين الجدد مما فاقم من حالة البؤس والحرمان، لم يقتصر العقاب الذي فرضته فرنسا على المناطق التي قامت فيها هذه الثورة فقط، بل امتد ليطال أماكن أخرى قريبة منها، أو فر إليها بعض المضطهدين،وكانت سياسة فرنسا في هذه المرحلة هي القضاء على نفوذ العائلات الكبيرة، ذات المكانة والتأثير بعد أن فشلت في استمالت بعضها، فقد سعت إلى تقليم أظافرهذه العائلات بمصادرة ممتلكاتها وإثقال كاهلها بالغرامات المالية حتى تذوب ضمن الطبقة الفقيرة، وقد أوضح ذلك المؤلف الفرنسي (louis rinn ) هذه الفكرة وأكد بأن رؤساء هذه العائلات لم يريدوا أن يفهموا أنهم ينبغي أن يكونوا في خدمة السلطة الفرنسية . لقد امتدت ثورة المقراني لتشمل مساحة واسعة من البلاد شرقا وشمالا وجنوبا، ويصل تأثيرها إلى بوسعادة والمسيلة وبسكرة وعين صالح.
وهذه الوثيقة تمثل نوعا من المعاناة التي عاشتها بعض الأسر البوسعادية في هذه المرحلة من بينها عائلة ( ابن سالم)، الشهيرة في تاريخ بوسعادة بنفوذها العلمي والاجتماعي، يحتوي نص هذه الوثيقة شكوى مواطن بوسعادي من حي الموامين رفعها إلى الحاكم العام، بسبب مصادرة السلطة الفرنسية لأمواله، كان ذلك في سنة 1872م، أي فترة قيام ثورة المقراني، وهي مرسلة بتاريخ 15 أفريل 1878م، أي بعد خمس سنوات من حيازة المستعمر لأملاكه، ومكتوبة بلغة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، ولم تحمل اسم باعثها، ولعلّ لها ورقة أخرى مرفقة لم نعثر عليها، فيها معلومات عن اسمه وأسماء الشهود الذين وقعوا أسفلها، لأنّه ذكر في آخر النص أنّه من (عرش الموامين)، فقال: « من خدامك الذين يضعون أسماءهم أسفله، من بلد بوسعادة، من عرش الموامين»، وعموما فالرّجل يطلب من الحاكم أن يَستعلِم عن أمره من ( بيرو العرب) التابع لبوسعادة، ليعلم أنّ ما لحقه من مصادرة أمواله إنّما وقع بالغلط من حاكم البلدة، وأنّه لا ذنب، أو كما قال( لا وسخ) صدر منه يقتضي ذلك، وهو صاحب عيال لا يملك شيئا، وقد تضاعفت معاناته بعد أن فرضت عليه الدولة سنة 1878 غرامة مالية، مجبر على دفعها في شهر سبتمبر، أي بعد أربعة أشهر من تاريخ كتابة هذه الرسالة، وما يُؤخذ من مضمون هذه الوثيقة أنّ التململ والحديث عن التخلص من الاستعمار بقي يتردد على الألسنة بعد ثورة المقراني، فصاحب الرسالة يؤكد بأنّه لا يتحدث في جانب الدولة( أي السياسة)، وأنّ الحاكم بإمكانه التأكّد، فإن وجد كلمة واحدة منه فلا يقبل عريضته.
كما صرح نص الوثيقة باسم أسرة أخرى من حي الموامين طالها هذا الظلم، وهي عائلة (عبد القادر بن سالم)، فجاء في آخر الوثيقة: « كما يطلب منكم أولاد سيدي عبد القادر أن ترد عليهم ملك أبيهم، الذي حازته الدولة، لكون أباهم لم يكن صاحب جرم ولا ذنب ولا فعل شيئا أبدا، وأولاده: (عبد الله، وبن الحاج، ومحمد، وبن سالم، وعبد القادر، وعبد الرحمن) وكلهم صغار».