قد تموت السينما في بلد إذا اختفت مهرجاناته وقتلت رغبات فنانيهِ للمبادرة وإطلاق ما يليق من مهرجانات جديدة، لذا عالم السينما يضج كل يوم بالمثير والجديد، وبمهرجانات تنتشر كما الفطر حولنا بعالمنا العربي وفي العالم ككل، قد يقول قائلا إن المهرجان ليس أبدا رغبة فنية وفقط ، بل المهرجان إرادة حكومية تتجلى واسعا في سوق للأفلام ومدن للانتاج وآليات صناعة، ويتجلى في الأهم حقوق الفنانين، وإلا فكل شيء ضربٌ في الريح وحصاد في فراغ ، لكن في انتظار أن تستوضع السينما في الجزائر ( لا أقول سينما جزائرية) على عجلتها الأولى علينا الاعتراف أن موت سينمائي يحوطنا منذ عقود وبعدة أوجه، وربما سنتحدث هنا على وجهه الظاهري والإحتفالي (المهرجان السينمائي) مهما تراوح بين قوة وضعف واستمرارية وانقطاع، لكنه يظل مؤشر حياة في حالة الأموات هذه التي تعيشها السينما بلا مخرج قريب.
في الخضم هناك مدينة عريقة طاغية في الجمال وعظيمة في المناظر الخلابة وهي تستيقظ في صمت السينما الجزائرية وأحزانها لتعلي احتفالية في ذكري المئة عام من السينما فيها، فهل يمكننا تصور الصورة فمنذ مئة عام كانت سينما هنا بعيدة جدا وغائرة في الداخل الجزائري الحزين في بوسعادة السينما.
بوسعادة إذن بعد سبات سينمائي ستستيقظ وتعلن عن مئة عام من السينما (مئوية السينما في بوسعادة)، ستستيقظ على أحلام جريحة ومثقلة بذكريات سينمائية لمن مروا منذ مئة عام يحملون أشرطة أفلامها وكراسات قصصهم، وينثرون أضواء كاميراتهم وضجيج عشاق الشاشة، منذ مئة عام وهي تريد أن تسترجع عطر ذلك المرور وسينما انتعشت فيها ثم ما لبثت أن أكلها النسيان، صحيح أنها كانت سينما عن ثقافة أخرى من بقايا كولونيالية لكن كانت سينما في الجزائر (أقول سينما جزائرية)، فلماذا ضاعت ولم تستوعب القادمين الجدد بعد الكولونيالية؟ ولماذا همشت وأقصت وتركت للريح وعدم اكتراث وازدراء إلى أن غدت شاشة حزينة تلوك ذكريات من السينما؟
والحديث عن بوسعادة هو الحديث نفسه عن أزمة السينما في الجزائر (لا أقول سينما جزائرية) فالفرق شاسع، لكننا لم نستطع حتى تسيير استوديوهات في الطبيعة أمام شركات الإنتاج السينمائي، سواء في بوسعادة وغيرها ولم نعطى حتى إشارة أننا نمتلك تلك الفضاءات التي أغوت منذ مئة عام وما بعدها أننا فشلنا في تسيير قاعات سينما بمدننا وأريافنا وقرانا في الجزائر، بل لم نستطع تصور مستقبل قريب للسينما منذ ستين عاما بعدما امتلكنا زمام الأمور.
إنني معني بإظهار بالحديث عن شيء آخر غير الذي تريد احتفالية المئة عام من السينما في بوسعادة أن تستظهره وإن كان مهما لكنه لا يكفي احتفال عابر وفيلم عابر ومهرجان عابر منزوي في إعادة وهج ما ضاع، الفكرة أن مئة عام من السينما في الجزائر لم تستطع أن تنشئ سينما جزائرية قائمة، بدأتها بعدما فشلت في تسيير سينما في الجزائر للشركات الإنتاج العالمية وقد كان متاحا لنا ذلك، فمن فعل هذا يا ترى؟ ومن يريد تحطيم آخر قاعة سينما واندثار آخر فنان وتكسير آخر كاميرا؟ رغم أن الأمور بسيطة جدا ولا تحتاج لكل هذه العقود.
وما يهمني أيضا أن بوسعادة المدينة النائمة، والحاضنة لاستوديوهات التصوير في الطبيعة بجماليات استثنائية يليق بها كثيرا كاميرات المخرجين وهواة التصوير وضجيج عشاق السينما، وكأني بها مدينة تصرخ سينمائيا ومنذ مئة عام بعشق السينما وفنون البصرية ولم يسمعها بها أحد، المأساة أن بوسعادة (نموذج) تركت لحالها، فلم يأبه بها ربما ما تلى من تصوير الفيلم الأول سنة 1923 إلى ستينيات القرن المنصرم كان مبررا بفداحة النضال وجدارة الثورة، لكنه استفحل ذلك الترك وظل فرميت للنسيان وعدم الاكتراث، فلا تدري تماما لماذا يجتهد رسميو السينما عندنا التفكير بصناعة مدن وهم أنفسهم ينفرون من فضاءات رائعة وجدت منذ مئة عام جلبت رواد السينما واستلهمت فسح الإلهام، واحتضنت الإبداع، وأطلقت كاميرات العالم وكاميرات جزائريين الرواد الأوائل مثل أحمد راشدي ومالك حداد ولخضر حامينا.
فلماذا نصّر على البكاء بينما نتوفر على بنى قاعدية طبيعية ببوسعادة وغيرها، بوسعادة ستحتفل بمئة عام من السينما وقد أضحت السينما فيها ذكرى تماما كأشياء كثيرة حولنا تترك إلى أن تتآكل الأعمار، وتكتب بسجل الذكريات والحال كما هو!؟
بوسعادة ستحاول أن تبدو مغايرة وأن تزيل ما ترسب على وجهها من غبار الترك والكسل والازدراء وأشياء أخرى.
ياسين بوفازي
بتصرف
بوسعادة انفو