بقلم
مقدمة:
منذ سنوات زرت مع مجموعة من الإخوة غرداية ,والقرارة وكان لنا فرصة للتعرف عن قرب عن هذه المنطقة سكانا وطبيعة.
وأهم ما يجلب نظرك الترابط المتين بين السكان الميزاب ,والتمسك بالتراث وخصوصيات المذهب,وحرص الأهالي على تلقين مذهبهم ونشره خارج الجزائر فقد أخبرنا مدير معهد الحياة سي بيوض علي عن وجود35طالبا من زنجبار(تنزانيا).
لمحة تاريخية:
تاريخ وجود الإباضية في جنوب الجزائر يعود إلى ما لا يقل عن 11 قرنا حيث انتقل الإباضيون مباشرة بعد سقوط الدولة الرستمية التي كانت تدين بالفكر الإباضي إلى الجنوب الجزائري حيث أسسوا قرى صغيرة في ورجلان (ورقلة حاليا) وقرى واد ميزاب التاريخية السبعة وهي غرداية القرارة بريان بنورة مليكة والعطف وبن يزقن.
-في القرن الخامس عشر انتشرت في المنطقة 4 قبائل عربية أهمها قبيلة الشعانبة,وهي أكبر قبيلة عربية في منطقة الصحراء وقبيلة سعيد وقبيلة المخادمة وقبيلة المذابيح. http://moheet.com/2014/03/19/2031256.
-الشعامبة قدموا من القطاع الوهراني ومن مختلف أنحاء الصحراء الجزائرية وعاشوا حياة بدوية ثم استقر معظمهم في قصر متليلي وفي القرن السابع عشر الميلادي كثر عددهم فرحل قسم منهم لتأسيس مدينة المنيعة فسموا بشعامبة موادحي أما هؤلاء الذين بقوا في متليلي فقد سموا بشعامبة برزقة.
-يقدر عدد سكان ولاية غرداية إلى غاية 30 جوان 2003 ب 334,754 نسمة أي بكثافة تقدر ب 3,88 نسمة/كم2 حيث نصف السكان متمركز في سهل وادي ميزاب.
-منذ بداية وجود القبائل العربية التي استقرت في البادية القريبة من مدن الإباضيين بدأت الصدامات بين العرب السنة المالكيين والإباضيون الأمازيغ ،وأسس العرب في منطقة متليلي أول بلدة للعرب، وانتهت كل المعارك بين الفريقين بالصلح حيث توجد وثائق تاريخية تؤكد الصلح بين الفريقين.
-تميزت قرى واد مزاب على طول تاريخها بالاستقلالية عن أية سلطة حتى الاحتلال الفرنسي للجزائر حيث وقع أعيان الإباضيين بغرداية معاهدة الأغواط مع الفرنسيين عام 1852 ، والتي أعطت الإباضيين بعض الامتيازات.
– بعد زحف القوات الفرنسية على الجنوب الجزائري ودخولهم إلى مختلف المدن الجنوبية عقد سكان وادي مزاب معها معاهدة بتاريخ 29 أفريل 1853 بالأغواط وهي المعاهدة التي جعلتهم تحت حماية الفرنسيين مقابل دفع ضريبة سنوية قدرها خمس وأربعون ألف فرنكا فرنسيا (45000) قيمة الخراج الذي كانوا يدفعونه إلى العثمانيين من قبل، وبالتالي فان مرسوم 22 جويلية 1834 الذي تم بموجبه تنظيم الجزائر إلى ثلاثة عمالات إداريا وكذا تعيين حاكم عام على أملاك فرنسا في شمال أفريقيا لم يكن يعني مزاب الذي كان يتمتع بنظام الحماية.
Bruno Charles Dominique, La Propagande Anti-Française au M’zab au Début des Années 1920, Mémoire de Maîtrise d’act., U. de Provence, Aix-Marseille, 1988
ونصت المعاهدة ـ مما نصت عليه ـ على حماية فرنسا للمزابيين واحترام دينهم وأن لا تتدخل مطلقاً في أمورهم الداخلية وتترك لهم حرية تقسيم القسط الذي تتحمله كل مدينة من الضريبة السنوية مثلما جاء في المعاهدة: «إننا لا نريد بأية صفة التدخل في أموركم الداخلية وأنكم ستبقون من هذه الجهة مثلما كنتم في الماضي، إننا لا نشتغل بأعمالكم إلاَّ إذا مست الراحة العامة.
أكثر تفاصيل انظر: بالحاج ناصر، موقف سكان وادي ميزاب من التجنيد الإجباري 1912 ـ 1925، مذكرة ليسانس في التاريخ المعاصر، مرقون، إشراف الدكتور حباسي شاوش، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 2000 ـ 2001. ص30
تاريخ الأحداث:
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد غرداية أعمال عنف طائفية بين العرب والإباضيين:
يقول بن الشيخ العربي مصطفى، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر وهو من المتخصصين في الأقليات بشمال إفريقيا:تشير وثائق تاريخية ورسائل رحالة أوروبيين وكتابات أشخاص إلى أن الصدامات بين العرب والإباضيين الأمازيغ بدأت قبل 4 قرون تقريبا في سنة 1722 بين قبيلة الشعانبة والإباضيين، وفي كل 40 أو 50 سنة كانت تقع معارك بين العرب والأمازيغ في منطقة واد مزاب أو بلاد الشبكة. http://moheet.com/2014/03/19/2031256
– وقعت أعمال عنف عام 1985 أسفرت عن سقوط 5 قتلى ، وفي عام 1989 ثم في عام 1990 وفي عام 2008 في منطقة بريان القريبة من غرداية أسفرت عن مقتل 5 أشخاص.
الأسباب:
-تباين تفسيرات المراقبين لأصول ما يقع في غرداية:
إن كانت تنبع من منطلق صراع عرقي بين الميزابيين الأمازيغ والشعانبة العرب.
أو منطق مذهبي بين الإباضيين (الخوارج) والسنة(المالكية).
ويرجعها آخرون إلى تفسيرات اجتماعية واقتصادية تطالب بتحسين مستوى معيشة المواطنين في المنطقة.
-المحلل السياسي عبد العالي رزاقي، يعتقد أن أزمة غرداية سببها صراع على مستوى السلطة، لأن غرداية منطقة مهمة بالنسبة للجزائريين، أولا باعتبار أن لها مذهب خاص هو الإباضية، إضافة إلى أنها تشكل أهمية كبيرة على المستوى الاقتصادي كون أغلبها تجار، ناهيك عن كونها أهم منطقة سياحية للجزائريين والأجانب.
وأضاف رزاقي أن الصراع في غرداية ليس بين الإباضية والمالكية، وإنما بين “أطراف في السلطة”.
-ويرى المحلل السياسي جابي أن أزمة غرداية تنطلق من مشكلة بناء نسيج وطني سياسي، لم تتمكن الدولة الجزائرية المستقلة من بنائه في عدد من المناطق الحساسة التي تتميز بخصوصيات ثقافية ومذهبية.
-ويرى آخرون أن التباين الحضاري والاجتماعي بين هذه الشرائح السكانية كان أقوى من أن يسمح بحصول انسجام تام بين أفرادها، خاصة وأن المجتمع الميزابي الذي يرى أن المحافظة على خصوصيته الحضارية تقتضي منه الإبقاء على نوع من الانغلاق الداخلي على نفسه في حياته الاجتماعية.
– هناك أطراف لا تريد تقسيم المنطقة فقط، وإنما الجزائر بدئا من بوابة الصحراء غرداية.
– فشل النظام السياسي في إدارة المشاكل والصراعات بين التشكيلات الاجتماعية، وترك الأمور على حالها سائبة وتتراكم إلى أن انفجرت، ولم يعد بالإمكان التحكم فيها.
-المزابيين فئة ناجحة في حياتها الاقتصادية والتجارية ومنظمة اجتماعيا بشكل محكم، بينما تتسم أوضاع العرب في المدينة بظروف البطالة والفقر والفوضى وتفشي الجريمة، وهو ما يثير اصطداما لأسباب اقتصادية اجتماعية، وليس لأسباب دينية.
– المزابيون سكان أصليون مستقرون في المدينة، بينما كان العرب عبر التاريخ قبائل رحل وعندما استوطنوا في غرداية لم يحدث اندماج حقيقي بينهم وبين سكان المدينة الأصليين(المزابيين)، مما أدى مع مرور الزمن إلى احتكاك وصراع بين الفئتين.
أسباب مباشرة:
– عقلية الاستعلاء والاستقامة وحكم الطهر:قضية عقلية الاستعلاء عند الميزابيين واعتبار أنفسهم في الأعلى وما دونهم في الأسفل,في حين يرى العرب السنة أنهم أولى.
-المشاكل المادية خاصة العقار، وهناك أسباب بسيطة تعود إلى نزاع حول قطعة أرض بالقرب من المقابر الخاصة بالأمازيغ.
-الأولية كانت تعطى دوما للميزابي في السكن والشغل بينما يهمش العربي,ويعيش أغلب العرب في أحياء ليس فيها أدنى مقومات الحياة:الشغل,النظافة ,الماء……..
-أن الأباضيين معرفون أنهم متشددون جدا خاصة فيما يتعلق بنسائهم. وفي أحد المحلات دارت مناوشات بين مالكي وأباضي، وشتم المالكي زوجة الاباضي، فانطلقت على إثرها معارك بين الطرفين انتهت بحرق المحلات، و تبعتها عمليات قتل.
-تصريحات بعض المسئولين خلال الحملة الانتخابية. راجع:
http://www.alhurra.com/…/algeria-ghardaia-ibad…/258755.html…
-تأثير البعد العقائدي:
للبعد الديني أثر ولكنه ليس أساسيا ولا حاسما,وإنما يستدعى البعد الديني ويوظف في الصراع كلما حدثت صراعات أو تجددت , فالمعلوم أن الميزابيين يتبعون المذهب الإباضي وهم فرقة من الخوارج-رغم أنهم ينفون عن أنفسهم أنهم خوارج-.
أما الشعانبة فهم عرب مالكية أهل سنة.
والتاريخ حدثنا عن صراع بين الخوارج والسنة وكتب التراث تذكره(الفقه والعقيدة),ولكن هذا الصراع انتهى وانتهت الفتنة.
أما في الكفاح فكان مفدي زكرياء شاعر الثورة,وهذا رائد الحركة الإصلاحية في الجنوب الجزائري الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، يؤدي دوره في فضح مؤامرة فصل الصحراء عن الشمال، وجاهد في جمع كلمة المزابيين حول العمل الثوري.
وفي الدولة الجزائرية المستقلة انصهر الجميع في الجزائر وجمعتهم اللغة العربية والدين الإسلامي .
قال الشّاعر الجزائري مفدي زكريّاء:
نَحْنُ في هذِهِ الجزائِرِ إِخْـــــوا نٌ، جِراحاتُنا الثَّخينَةُ حَمْـــــرَا
لُـحمةُ الضّاد والعُروبَةِ والتّـــا ريخِ والدّين آيُ ربِّكَ كُبْـــــرَى
وهواها، وماؤُها، وسَـماهــــــا وثَراهَا الزَّكيُّ، شِبْرًا فشِبْـــــرَا
(اللّهب المقدّس، ص: 283).
وفي الخير أرجو منكم التسديد والتوجيه والنقد البناء والسلام. لقدي لخضر