أعلنوها صراحة.. “إما الولاية أو لا ولاية لأحد علينا”
الحكومة تعمق جرح البوسعاديين وتقصيهم من الترقية إلى “ولاية”
الجمعة 13 فيفري 2015 بوسعادة
سعودي الطيب
“الخبر” تكشف خبايا منطقة في الجزائر العميقة ضحايا التقسيم الإداري
——————————————————————————-
ربما لا يتطلع المواطن بالمنطقة الجنوبية بالمسيلة إلى شيء أكثر من ترقية بوسعادة إلى ولاية، وهو المطلب الذي حمله أعيان وشيوخ المنطقة إلى رئيس الجمهورية في مناسبتين ( 1999و2001)، رافضين في مقابله أية مشاريع أو أموال، بدليل أنهم قالوا لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في إحدى زياراته للمنطقة “عيّن لنا واليا ونحن نتكفل بمصاريفه..”، لأنه في اعتقادهم أن الأمر يتعلق بتاريخ منطقة وجغرافية مكان تجاوز عدد سكانه الـ500 ألف نسمة وحرم الكثير من حقوقه لاعتبارات كثيرة.
يلحّ سكان المنطقة الجنوبية بالمسيلة على ضرورة تحسين ظروفهم المعيشية وتقريب الإدارة منهم، بدل العناء والمعاناة اليومية التي تلزمهم التنقل لمسافات بعيدة تصل حتى 300 كلم من وإلى عاصمة الولاية، كما هو الحال لبلديات عين الريش وعين فارس وأولاد سليمان، لاستخراج الوثائق الإدارية المختلفة، والتي كرست–حسبهم- ظلم الإدارة لهم. فالمنطقة التي تضم 23 بلدية، والتي يسكنها أكثر من 500 ألف نسمة، لا تزال تجد نفسها بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من مظاهر التحضر. فولاية المسيلة ذات المساحة 18175 كلم مربع، وبسكانها الذين قاربوا المليون نسمة، وتضم 47 بلدية، يحمل سكانها الكثير من الهموم. وتشكو معظم البلديات من نقائص في التنمية، ما جعل ظاهرة النزوح الريفي تتزايد سنويا نظرا لتدهور المعيشة والبطالة وضعف الأنشطة الاقتصادية.
وبلدية بوسعادة تعتبر ثاني أكبر مدينة بعد عاصمة الولاية من حيث عدد السكان، حيث قارب تعداد سكانها الـ150 ألف نسمة، يعيشون على مساحة 253 كلم مربع، بها 26 ألف مسكن. وحسب دراسة حديثة، فقد يصل تعداد السكان إلى 178 ألف نسمة في سنة 2018. ولا يوجد ببوسعادة قطب صناعي مهم، إذ لا يشتغل بمنطقة النشاطات والتخزين بطريق المعذر أو بميطر سوى 7.25 بالمائة من المشتغلين فعلا، بعد أن حلت أغلب المؤسسات وتحوّل الآلاف من أرباب العائلات إلى بطالين. ويضم قطاع الخدمات 10 آلاف مشتغل أي بنسبة 71 بالمائة من الفئة النشطة، كما تشهد منطقة النشاطات نموا بطيئا لغياب سياسة توجيهية فعالة لمساعدة وتشجيع المستثمرين. وأدى في المقابل الاستغلال الفوضوي للأراضي إلى تقلص فرص الاستثمار، ما جعل المدينة تحمل مطالب بحجم ولاية، وحتى المدينة الجديدة، المشروع الضخم الوحيد، لا يزال يراوح مكانه منذ 12 سنة، ولم تتجاوز نسبة الإنجاز في مختلف المجالات 60 بالمائة. المشروع ونظرا لبعد المدينة عن سلطة اتخاذ القرار تحوّل إلى مشروع من الفوضى، وكثيرا ما كان محل شكاوى من المواطنين.
وبرأي معظم رؤساء الجمعيات الذين تحدثنا إليهم، فإن مطلب الولاية ليس حلما في حقيقته، بل هو أمر تفرضه عوامل كثيرة، أهمها البيروقراطية الحاصلة بعاصمة الولاية والحڤرة، ولا مكان لهم في أجندة المسؤولين، بدليل مظاهر التخلف التي يعيشها السكان، كل هذه المعطيات وغيرها خلقت الكثير من المشاكل جعلت من الصعوبة بما كان التحكم بالأوضاع ومعاناة المواطنين لمجرد استخراج وثيقة. ولم يجد بعض الأعيان من المدينة حرجا في قولهم “إننا متأكدون أنه لو ترقى دائرة واحدة بالجزائر إلى ولاية لكانت بالتأكيد بوسعادة”. قناعة لمسناها عند أغلب رؤساء لجان الأحياء، واعتبروا مطلب ترقية مدينتهم إلى ولاية منتدبة فتحا جديدا لمنطقة طالما عانت الظلم الإداري، وبرروا وضع المدينة الحالي كونها بعيدة عن سلطة الوالي، ما يجعلها “مدينة مستباحة” وعرضة للأطماع والنهب. أما بلديات المنطقة الأخرى فلا ينتظر سكانها من السلطات الكثير، إذ يعتبرون أنفسهم خارج إطار اهتمام المسؤولين، سواء المحليين أو غيرهم، وهو ما حتم على سكان المنطقة الجنوبية المناداة بترقية بوسعادة إلى مصاف ولاية، من أجل وضع حد للعزلة والحڤرة والتهميش.
المدينة تصارع هموما بحجم ولاية
تحوّلت مدينة بوسعادة إلى ما يشبه القرية، وأدى النزوح الريفي واتساع رقعة الفوضى العمرانية دون رقيب إلى فقدان الكثير من خصوصياتها الحضرية والسياحية لأسباب عديدة، أهمها غياب دراسات جادة تتكفل بالمدينة والفرد، في معادلة متجانسة بعيدة عن النظرة الآنية لمستقبل مدينة محاصرة طبيعيا بجبال وأودي. وقد أدى النمو العمراني المتسارع إلى ظهور تجمعات سكانية لا تستجيب للمقاييس التقنية الضرورية في تسيير المدينة. وأهم المشاكل المطروحة هو غياب الضوابط التقنية في استهلاك المجال الحضري وعدم جدية متابعة ومراقبة تنفيذ توصيات مخططات التوجيه العمراني، إلا أن بوسعادة تبقى بعيدة عن صورة المدينة الحضرية التي تحترم فيها مقاييس التعمير، بدليل أن دراسة سابقة دلت على وجود أكثر من 11 بالمائة من مساكن بوسعادة وصفت حالها بالرديئة، من بين ما يقارب الـ17 ألف مسكن موجود بالبلدية.
وحسب الدراسة ذاتها، فإن المدينة بحاجة إلى أكثر من 5000 وحدة سكنية، حيث يقدر أن يصل تعداد السكان إلى 178 ألف نسمة في السنوات القليلة القادمة، إلا أن هذه التقديرات لم تراع تزايد مشكل الزحف الريفي نحو المدن وخلق أحياء فوضوية بأكملها خلال سنوات. في الوقت الذي حملت دراسات، على كثرتها، بشرى تحويل بوسعادة إلى قطب حضري مهم، في غياب نظرة تهتم بالفرد وتتكفل بانشغالاته كمحور أي دراسة. ويحرص مختصون في الميدان المعماري على ضرورة مراقبة تنفيذ توجيهات مخططات شغل الأراضي، بدل إضاعة الوقت والجهد في إعادة المخططات دون التقيد بما جاء فيها، أو الوقوع في أخطاء. كما أصر المصدر ذاته على ضرورة أن يولى القائمون على إعداد المخطط التوجيهي لبوسعادة أهمية إدراج مخطط الوقاية من الأخطار ومخطط مواجهة الأخطار، باعتبار أهمية هذين المخططين في الدراسات الحديثة إلى جانب ضرورة إشراك جميع فئات المجتمع في التخطيط لمستقبل مدينتهم.
وتضم منطقة التعمير المستقبلي ببوسعادة 500 هكتار على المدى القريب والمتوسط، منها 100 هكتار خصصت للمنطقة الحضرية الجديدة و750 هكتار على المدى الطويل، منها 450 هكتار قابلة للتعمير، شرط نزع الرمال وتم استحداث منطقة كميدان للفروسية ومركز للتسلية على مساحة 1100 هكتار.
كما ساهم تجميد ملف العقار الحضري وتسوية وضعية المستفيدين في تزايد الطلب على السكن في ظل وجود حل واحد لذوي الدخل المحدود هو السكن الاجتماعي الإيجاري، حيث قدّر مصدر من الوكالة العقارية بوسعادة وجود 30 تجزئة ترابية غير مشهّرة تنتظر إجراءات التشهير من قِبل مجلس الإدارة، لكنها تواجه مشاكل وعراقيل يجهل حتى موظفو الإدارة أسبابها، إذ لا يوجد مبرر مقنع لهذا التأخر والتقاعس عن حل مشاكل العقار في بلدية بحجم بوسعادة، رغم أن إجراءات التسوية من شأنها تحصيل أموالٍ الوكالة بحاجة ماسة إليها لتهيئة القطع وتسديد ديون أملاك الدولة المترتبة عن تحويل الوعاء.
وحسب دراسة سابقة، فإن المدينة بحاجة إلى أكثر من 5000 وحدة سكنية في السنوات الخمس القادمة، إلا أن هذه التقديرات لم تراع تزايد مشكل الزحف الريفي نحو المدن وخلق أحياء فوضوية بأكملها خلال سنوات. وأمام ما يبدو أنه انسداد في قنوات الحصول على السكن لم يبق أمام المواطن، حسب هذا التحليل، سوى التوجه نحو البناء الفوضوي، ما جعل هذا المقصد يجذب الكثيرين ويعقّد بالتالي وضع المدينة أكثر فأكثر، بعد أن صار ربع سكانها تقريبا يقيمون في أحياء فوضوية، على غرار أحياء ميطر وسليمان و20 أوت التي تفتقر إلى الكهرباء والماء وشبكة التطهير والتهيئة العمرانية، تضاف لها أحياء عديدة في حاجة إلى تهيئة وتحسين المحيط، مثل أحياء محمد شعباني وأول نوفمبر والمجاهد و24 فيفري والرمال الذهبية ومفدي زكريا.
ويشعر مواطنو بوسعادة ومنتخبوهم المحليون أن نصيب مدينتهم من التنمية في بعض المجالات الحساسة متأخر جدا، بل لا يساير التطور السكاني الذي شهدته، فضلا عن كونها تمثل قطبا بجنوب الولاية يشمل 23 بلدية يفترض أن يجد سكانها الخدمات التي يحتاجونها. وبعد كل هذا لا يزال السكان يؤمنون أنه لا مناص من إنقاذ المدينة إلا بترقيتها لمصاف الولايات، ويرددون وعود طالما حملها مسؤولون كبار، وفي مقدمتهم الوزير الأول عبد المالك سلال، في آخر زيارة له بمناسبة الحملة الانتخابية للرئاسيات الماضية، وأعلنوها في كل مكان “إما الولاية، أو لا ولاية لأحد علينا”.
40 سنة من المطالبة.. وماذا بعد؟
تعود حكاية البوسعاديين مع “الولاية” إلى 40 سنة مضت، عند تم ضم المدينة إلى ولاية المسيلة المستحدثة سنة 1974، وكانت دعائم هذا التقسيم تستند إلى مراعاة الحقائق الاقتصادية والسكانية والفوارق الجهوية، وهو ما أثار حفيظة السكان آنذاك، لأنه كان في اعتقادهم أن المدينة بمميزاتها ومقوماتها الاقتصادية والبشرية والاجتماعية ما يشفع لها لأن تكون عاصمة ولاية، ولكن “أريد لها” أن تكون غير ذلك، وانتظر البوسعاديون عشر سنوات بعدها لتضاف ولايات جديدة حتى يصل الرقم إلى 48 ولاية، وذلك لمتابعة التطورات الاقتصادية والبشرية ولتطوير الخريطة الإدارية للبلاد حتى تكون أكثر اتصالا بالواقع وأكثر استيعابا لإمكانات المستقبل، وسقطت بوسعادة من القائمة، وهو ما لم يفهمه أحد ولا يوجد له أي تفسير غير أنه “يراد لبوسعادة أن تكون مدينة مرشحة لقرية أو أقل”. وجاءت زيارة بوتفليقة بثوب المرشح لرئاسيات 1999 وكانت المناسبة سانحة للبوسعاديين ليستقبلونه بالمطلب ذاته “بوسعادة ولاية”، وقدم لهم ما يشبه “الوعد” لأنه حسب تصريحاته “أفهمكم وأعرف ما تريدون”، وانتظر الحالمون زيارة أخرى سنة 2002 ثم 2004 لأحمد أويحيى كممثل لبوتفليقة وبشّرهم خلالها بترقية بوسعادة إلى ولاية، ثم سلال سنة 2009، ويأتي مشروع التقسيم الإداري الأخير الذي تم الإعلان عنه، ليكتشف البوسعاديون أن “قصة الولاية” كانت ورقة انتخابية وظفت ثم أحرقت، ولكن المثل الشعبي يقول ‘’اللي غداه كذب اعشاه واش يكون؟”.
الشارع للتعبير عن الغضب..
ومن أجل إيصال همومهم وحلمهم إلى السلطات العليا في البلاد، عمد سكان بوسعادة إلى الخروج إلى الشارع مرددين شعارات ترفض الحڤرة وتطالب بإنصاف المنطقة بترقيتها إلى ولاية، وقد دخل تجار المدينة في حركة احتجاجية، حيث أغلقوا محلاتهم وأوقفوا جميع الأنشطة الحرفية والمهنية استجابة لدعوة الفعاليات المطالبة بترقية دائرة بوسعادة إلى ولاية منتدبة.
الحركة الاحتجاجية التي بدأت منذ يوم السبت المنصرم وتواصلت بتجمعات جماهيرية أمام مقر القباضة البريدية بوسط المدينة، تلتها قراءة بيان جموع المواطنين ممثلي أهالي بوسعادة الموجه إلى رئاسة الجمهورية، والذي يتضمن مطلبا واحدا، ألا وهو ترقية مدينتهم إلى ولاية.
كما جاب المحتجون عديد الشوارع الرئيسية سلميا قبل أن يصعّدوا الموقف، ويتحول البعض إلى الطريق الوطني 08 باتجاه الجزائر العاصمة حيث قاموا بغلقه مجددا بواسطة الحجارة والمتاريس والأعمدة الكهربائية، فيما قام البعض الآخر بغلق الطريق الوطني 46 باتجاه ولاية بسكرة.
وعقب هذه الاحتجاجات دعا والي المسيلة، عبد اللّه بن منصور، عبر أمواج إذاعة الحضنة، سكان بوسعادة إلى الهدوء وضبط النفس وعدم تجاوز طريقة المطالبة للمطلب الذي وصفه بـ«المطلب المشروع” حدود الطرق السلمية المشروعة، وقال: “بوسعادة ولاية في التقسيم الإداري القادم خلال 2016 ضمن الهضاب العليا وهو أمر رسمي لا نقاش فيه، ولكن يجب أن لا نقطع الطرق لأن فيه مضرة للمواطنين”. كما شدد الوالي على ضرورة التصرف بعقلانية وبطرق هادئة، مؤكدا على أن “رسالة البوسعاديين وصلت إلى السلطات العليا للبلاد”، وهو التصريح الذي ارتاح له أغلب السكان وبعث فيهم الطمأنينة، لكنه، حسب البعض، يحتاج إلى المصادقة عليه من قِبل السلطات العليا. وفي انتظار ما ينتهي إليه الوضع ببوسعادة تبقى السلطات صاحبة القرار تتبنى سياسة “حوار الطرشان مع البوسعاديين” حتى إشعار آخر |