الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة السعيدة 8 شخصيات من بلادي 8 الشيخ سعيد غلاف (1947-2024) رحمه الله

الشيخ سعيد غلاف (1947-2024) رحمه الله

هو سعيد بن لخضر بن عطية غلاف ، من مواليد سنة 1947 ببوسعادة، نشأ في كنف أسرة متشبعة بالقيم الدينية، مما ساعده على التوجه مبكرًا نحو حفظ القرآن الكريم وطلب العلم.
مرحلة الطفولة والتعلم:
بدأت رحلة الشيخ غلاف سعيد في طلب العلم في سن مبكرة، حيث التحق في ستينات القرن الماضي مع شقيقه غلاف محمد بمحضرة الشيخ حديبي لخضر بن عيزور بحي القيسة. في تلك المحضرة، حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ الفقه و اللغة. كان من أبرز زملائه في طلب العلم الشيخ حديبي عمر بن عيزور، أظهر الشيخ سعيد نبوغًا مبكرًا وحرصا على التحصيل العلمي.
التزامه بالتعليم وتحفيظ القرآن:
في أواخر السبعينيات، تحديدًا في عامي 1977 و 1978، افتتح الشيخ سعيد محضرة في حي ميطر ببوسعادة، حيث بدأ بتعليم القرآن الكريم لأبناء الحي. ثم تطوع لتعليم القرآن بمسجد الموامين ببوسعادة لمدة سنتين. بعدها انتقل الشيخ ليفتتح محضرة جديدة في حي القيسة سنتي 1983 – 1984، مؤكدًا على رسالته التعليمية في توسيع نطاق تعلم القرآن الكريم.
هذه الفترة من حياة الشيخ شكلت بداية مسيرته كمعلم ومربي للأجيال، حيث حمل على عاتقه مسؤولية تعليم الأطفال والشباب مبادئ الدين وحفظ القرآن الكريم، كانت الدروس التي يقدمها لطلبته في محضرته لا تقتصر على التعليم فقط، بل كانت تشمل التوجيه الروحي والأخلاقي، مما جعل له مكانة خاصة في قلوب طلابه وسكان المنطقة.
الدراسة والتخرج:
في عام 1984، سعى الشيخ سعيد إلى تطوير نفسه أكثر، فالتحق بمعهد سيدي عقبة لتكوين الأئمة. خلال تلك الفترة، لم يكن الشيخ سعيد مجرد طالب عادي، بل كان متميزًا بحرصه على استيعاب العلوم الشرعية. وفي عام 1986، تخرج من المعهد، محققًا بذلك حلمه في أن يصبح إمامًا مؤهلاً لخدمة مجتمعه بشكل أعمق.
بداية مسيرته كإمام:
بعد تخرجه من معهد سيدي عقبة، تولى الشيخ سعيد الإمامة لأول مرة في بلدية الحوامد ( الرمانة ) لمدة سنة، إلا أن فترة خدمته لم تطل كثيرًا، فقد تولى بعدها الإمامة في مسجد إبراهيم الخليل بحي ميطر ببوسعادة، حيث بدأ يدير شؤون المسجد ويوجه المصلين بروح الحكمة واللين. وخلال السنوات التي قضاها في المسجد، أصبح الشيخ سعيد مرجعًا دينيًا وأخلاقيًا للمجتمع. لم يكن يكتفي بالإمامة والوعظ فقط، بل كان يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم. كان يعرف عنه أنه لا يميز بين غني أو فقير، وكان يحضر كل الجنائز التي يسمع عنها، سواء كانت لشخص قريب أو بعيد، ويعزي أهل الميت بنفس الاهتمام والحب.
الإحسان والعمل الخيري:
أما الجانب الخفي من حياة الشيخ سعيد، فكان مفعمًا بالأعمال الخيرية التي كان يقوم بها سرًا، بعيدًا عن الأضواء. يروي أحد جيرانه حادثة تعكس روحه الإنسانية العظيمة. كان هذا الجار لا يملك الكهرباء في منزله لعدة سنوات، فقام الشيخ سعيد بتوصيل خيط كهرباء من بيته إلى بيت جاره لمدة ست سنوات دون أن يتقاضى أي أجر، ودون أن يجعل من هذا العمل معروفًا للناس.
ولم يكن هذا العمل الخيري الوحيد في حياته، فقد كان الشيخ سعيد يتكفل بإعانة عائلتين فقيرتين في سرية تامة. كان يحمل أكياس القمح والمواد الغذائية على كتفيه ليلاً، حينما ينام الناس، حتى لا يراه أحد، ليقوم بتوزيعها على هذه العائلات المحتاجة، مما يدل على تواضعه وحرصه على كتم أعمال الخير.
السنوات الأخيرة:
قبل وفاته، شعر الشيخ سعيد بدنو أجله، فترك وصية لأبنائه وأحبائه، وهي أن يُنقل جثمانه إلى مسجد إبراهيم الخليل بميطر، حيث قضى سنوات طويلة من حياته في الإمامة والتعليم، ليتمكن الناس من رؤيته للمرة الأخيرة قبل أن يُدفن في مقبرة القيسة ببوسعادة. كانت هذه الوصية تعكس روحه المتواضعة وحبه العميق لأهل منطقته.
وفاته وجنازته:
في يوم الخميس الموافق 19 سبتمبر 2024، وبعد صراع طويل مع مرض مزمن، وافت المنية الشيخ سعيد غلاف عن عمر ناهز 77 عامًا. نبأ وفاته أثار حزنًا كبيرًا في بوسعادة، حيث اعتبره الناس خسارة كبيرة. جنازته كانت مشهدًا مهيبًا، إذ شارك فيها الآلاف من أبناء بوسعادة والبلديات المجاورة. كان الحاضرون من مختلف الشرائح الاجتماعية، كبارًا وصغارًا، مما يدل على الحب الكبير الذي كسبه الشيخ سعيد خلال سنوات حياته الطويلة في خدمة الناس.
إرثه وتأثيره:
رحيل الشيخ سعيد غلاف ترك فراغًا كبيرًا في قلوب أهالي بوسعادة، لكنه في الوقت نفسه ترك إرثًا عظيمًا من القيم والأخلاق. سيتذكره الناس ليس فقط كإمام وداعية، بل كإنسان نبيل صادق متفانٍ في خدمة الآخرين، وكشخص حمل على عاتقه مسؤولية نشر العلم والفضيلة في مجتمعه.
رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كتبه : سعيد النعمي
يوم السبت 21 سبتمبر 2024.

About Author

%d مدونون معجبون بهذه: