الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة السعيدة 8 شخصيات من بلادي 8 الحاج زبير طاهري (1906-1972) رجل الثورة ورائد الإصلاح.

الحاج زبير طاهري (1906-1972) رجل الثورة ورائد الإصلاح.

بدعوة كريمة من الأستاذ صديقي بن سنوسي أمين قسمة المجاهدين، حضرت اليوم مراسم تسمية العيادة المتعددة الخدمات بأولاد سيدي إبراهيم باسم صهري وجد أولادي المجاهد الكبير طاهري الحاج زبير، تكريماً له ولإرثه النضالي. تضمنت المناسبة زيارة إلى مقبرة الشهداء، حيث قُرئت الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، ثم انطلقت الوفود إلى العيادة لمراسم إطلاق الاسم بحضور أعيان ومشايخ المنطقة، في لحظة مهيبة جسدت عمق الاحترام لهذا البطل الذي يظل اسمه خالداً في الذاكرة الجماعية لأبناء المنطقة.

نشأته وتكوينه العلمي:

وُلد طاهري زبير سنة 1906 في قرية الطواهرية بأولاد سيدي إبراهيم، وترعرع في كنف عائلة علمية ميسورة الحال. تلقى تعليمه الأولي على يد مشايخ وعلماء المنطقة، حيث تشرب معارف الدين واللغة، واكتسب سمات القيادة والإقدام منذ صغره، مما لفت الأنظار إليه بوصفه صاحب شخصية قوية وكاريزمية.
انخرط في النشاط الثقافي والسياسي بمدينة بوسعادة، حيث أصبح أحد رواد الساحة الثقافية والسياسية، خاصة بعد انضمامه إلى جمعية العلماء المسلمين فرع بوسعادة سنة 1951، حيث شغل منصب نائب أمين المال. ثم انضم الى جمعية الهداية ببوسعادة سنة 1952.

مسيرته السياسية والتحاقه بالثورة:

كان الحاج زبير طاهري قبل اندلاع الثورة عضواً نشطاً في حزب أحباب البيان بزعامة فرحات عباس، وعندما اندلعت ثورة التحرير، كان من الأوائل الذين التحقوا بصفوفها، إذ انضم إلى جبهة التحرير الوطني ليصبح عضواً فاعلاً في اللجنة الثورية ببوسعادة، إلى جانب شخصيات مثل: عبد القادر عمران وعبد القادر دلاوي وحميدة عبد القادر . قدم خدمات كبيرة للجبهة في المجال المدني، ثم انضم لاحقاً إلى الولاية الثالثة التاريخية في أواخر 1956، حيث قام بتمويل هذه الولاية بمبلغ ضخم قُدّر بثلاثة ملايين سنتيم، وهو ما يعكس مدى إيمانه بالثورة واستعداده للتضحية من أجل استقلال الجزائر.

مواجهة الخيانة وتضحياته الأسرية:

لم يكن طريق النضال سهلاً بالنسبة للحاج زبير، فقد تعرض لمضايقات واستهداف من طرف الخائن بلونيس، الذي كان يتعامل مع السلطات الفرنسية في محاولة لقمع المجاهدين، مما أدى إلى اعتقال ابنه وأفراد من عائلته سنة 1958 على يد الخائن بلونيس، الذي قام بإعدام ابنه طاهري نعمان (1941-1958)، وابن أخيه طاهري محمد بن لخضر (1941-1958)، وابن عمه طاهري حسن بن سليمان (1922-1958).
شكلت هذه التضحيات الباهظة ألماً لا ينسى في حياة الحاج زبير طاهري، لكنه بقي صامداً، مقدماً المزيد من الجهد والتفاني في سبيل وطنه.

إسهاماته بعد الاستقلال:

بعد استقلال الجزائر، استمر الحاج زبير طاهري في مسيرة النضال، إذ انتخب كأول رئيس بلدية لأولاد سيدي إبراهيم سنة 1967، حيث عمل على تحسين أوضاع المنطقة وإصلاح شؤونها، مساهماً في تنمية البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان. وكان قائداً محلياً محط احترام وتقدير من الجميع، وعرف عنه نزاهته وتفانيه في خدمة الشعب.

عشقه للخيول وإرثه الثقافي:

كان الحاج زبير عاشقاً للخيل، وجسدت الشاعرة الحاجة الزهرة بنت الحاج أحمد طاهري هذا الجانب من حياته في قصيدتها “فرسان الطواهرية”، والتي وصفت فيها مهارته في ركوب الخيل وشجاعته قائلة:

سيدي (بابا اسميشَهْ) /// إيلاَ خِرَجْ يَتْقَرْشَـى
وفي نْهَارْ الشَّوْشَــهْ /// يوخّـــرَ الشُبَّــــــانْ

– بابا اسميشة: كنية الحاج الزبير طاهري.
– يتقرشَى: يتبختر.
– نهار الشوشة: يوم العرس والاحتفال.

تقديره للعلم والعلماء:

تُروى قصة شهيرة عن الحاج زبير في فترة رئاسته لبلدية أولاد سيدي إبراهيم، حين زار بيت الشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن الديسي. جلس الحاج زبير على الأرض في ساحة البيت، وعندما اقترح عليه سي بلقاسم بن عبد الرحمن إحضار فراش للجلوس، أجابه الزبير قائلاً: “كيف لي أن أفترش زربية على أرض مشى عليها سيدي الشيخ بن عبد الرحمن الديسي؟” كانت هذه الواقعة دليلاً على تقدير الحاج زبير للعلماء وأهل الصلاح، ووعيه بقيمة الإرث الروحي الذي حملته تلك الأماكن. ظل البيت بعد ذلك تحت وصاية وريث الشيخ بفضل دعم الحاج زبير، ليصبح مقراً لجمعية العلامة محمد بن عبد الرحمن الديسي، وتستمر رسالته في تخليد العلم وتقدير العلماء.

رحيله وخلود ذكراه:

في يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر عام 1972، فارق الحاج زبير طاهري الحياة عن عمر ناهز 66 عاماً، بعد حياة مليئة بالعطاء والتضحيات. لقد كان لرحيله وقع أليم على أبناء منطقته، الذين عرفوه كقائد فذ ورمز من رموز النضال، وشارك الآلاف في جنازته، حيث حضر العديد من الشخصيات السياسية والدينية والأدبية لتأبينه، ومن بينهم الشيخ العلامة خليل القاسمي، والحاج عيسى بسكر، والشاعر عامر الباهي، والشاعر صالح بقاش، الذين أثنوا على شخصيته وأخلاقه وتفانيه في سبيل خدمة وطنه.

إرثه الوطني والقيمي:

يبقى المجاهد الحاج زبير طاهري رمزاً للوطنية والشهامة، وذكرى خالدة في وجدان أبناء المنطقة، تعبر عن قيم التضحية والعزة والإخلاص. كان رجلاً متجذراً في تاريخه وأصالته، عاشقاً لبلده ولعلمائه ولثقافته، محباً للفروسية ورمزاً للتحدي. إن سيرته ومسيرته تظل محفورة في ذاكرة الأجيال، لتكون شاهداً على عظمة الرجال الذين صاغوا ملحمة الجزائر في كفاحها من أجل الحرية والاستقلال.

كتبه : سعيد النعمي.

أهم مصادر ترجمته : استقيت ترجمته من عدة موارد أهمها
1- ابنته الحاجة فاطمة الزهراء طاهري.
2- أرشيف الدكتور الباهي الطيب بن عطية.
3- بحوث الأستاذ محمد بسكر .
4- بحوث الأستاذ صديقي بن سنوسي.
5- بحوث الأستاذ طاهري ابراهيم بن جلول .
اكتب إلى سعيد النعمي

Mohamed

%d مدونون معجبون بهذه: