التحق بالرفيق الأعلى في ملكوته الواسع.. المجاهد والشهيد الحي ضابط جيش التحرير سي أحمد بن السعيد بوهالي رحمه الله…
وقد كانت هذه الكلمات بمناسبة صدور مذكراته وشهادته أثناء حرب التحرير والكفاح المسلح لاسترجاع السيادة، والحرية والدين والوطن…
وإنني اليوم أعيدها كما كتبت أول مرة منذ اربع سنوات، وقد غادرنا منذ سنة في مثل هذا اليوم الذي تمنى أن يختم حياته فيه، صدق الله فصدقه الله وكان له ما تمنى…
رحمك الله عمي أحمد ورفع درجتك في الصالحين
******
المجاهد بوهالي أحمد بن السعيد
• من مواليد 1938م ببوسعادة، تلقى تعليمه الأول بصفة مزدوجة:
• في الكتاب الملحق بمسجد النخلة العتيق، فأخذ قسطا من العربية وبعض المبادئ الشرعية، كما أتم حفظ ربع القرآن الكريم.
• ثم التحق بالمدرسة الفرنسية (لوسيان شالون) ليزاول بها تعلما أنهاه بشهادتها الابتدائية.
• ونظرا لظروف المجتمع آنذاك، مارس وأتقن مهنة الخياطة في رحلة بحثه عن لقمة العيش الشظيف.
• التحق بصفوف الثورة التحريرية في أواسط سنة 1956م، ولم يتجاوز عمره ستة عشرعاما بعد.
• تنوعت نشاطاته الثورية تبعا للمهام الموكلة إليه، فقد شارك في عدة نشاطات عسكرية منها: معركة الزرقة، والميمونة الشهيرة، والنسنيسة وغيرها.
• كما شارك في بعض الجوانب التموينية والصحية خدمة للثورة وتحقيقا لأهدافها.
• ذاق مرارة السجن والاعتقال على يدي المستعمر مدة تجاوزت السنة، لترسل قيادة الولاية الى أهله وذويه رسالة تعزية بعد انقطاع أخباره، ليتسمى بعد دعوته بالشهيد الحي، اذ كانت عودته كما قيل: أن الموتى يبعثون من القبور.
• شهد له الملازم الحاج علي مهيري بالشجاعة الكافية، والبطولة النادرة التي أبرزها في ميادين المعارك وساحات القتال.
• يعيش حاليا المجاهد الحاج أحمد بوهالي بين أهله وذويه في بوسعادة بجانب المسجد العتيق، بعد أن قدم واجبه تجاه هذا الوطن قبل الاستقلال وبعده.
• صدرت مذكراته التي سجل فيها طرفا مما عايشه وشهده خلال سني الثورة المباركة، في أكثر من مائتين وثلاثين (230) صفحة، أكرمني الله تعالى بتسجيل حروفها، وتنسيق فصولها، تحت رعاية كريمة من الأستاذ أحمد خريفي.
• والمميز في هذه الصفحات، إلى جانب كونها شهادة لواحد من مجاهدي الرعيل الأول، هو احتواؤها على تفاصيل جزئية تذاع لأول مرة كشهادة تفيد المؤرخين والباحثين حول تفاصيل القضايا المتعلقة بالثورة.
• كما أنها تنشر صورا جديدة كذلك لبعض المجاهدين والشهداء، يرى فيها محبوهم ومتابعوا أخبارهم ما يضيف لرصيدهم مما يحسن ذكره والاحتفاء به.
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، سلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه، ومن بهم اهتدى واقتفى.
أما بعد:
تعتبر ثورة التحرير الوطني حدثا من أهم فصول تاريخ الجزائر المعاصر، فقد أحدثت انقلابا في جميع الأصعدة والمفاهيم، وغيرت مسار التاريخ في سيرورته العامة.
وإن الكتابة عنها لا تزال بكرا لم تغطِ جميع جوانبها، وخاصة من طرف من صنعوا فصولها وشاركوا في صياغة وتوجيه أحداثها.
يعتبر الحاج أحمد بوهالي واحدا من الشباب، عاش فترة قبل الثورة ليشهد حجم المأساة التي يعيشها الشعب الجزائري، ويدرك حجم المعاناة اليومية له، وما إن اندلعت الثورة بفضل رعيلها الأول حتى وجدته مهيأ النفس مستعدا للسير في ركابها، ودعم لهيبها.
وتعتبر مذكرته هذه جهادا من نوع آخر يدعم به حصن الذاكرة الجماعية، ورصيدا للثقافة التاريخية الأمينة التي تسجل الأحداث، وتوثق لحظاته، تصب كلها في حفظ مآثر هذا الوطن ورجاله من النسيان والكتمان.
وإنني لما تحملت كتابة هذه المذكرة ونقلها من الشهادة الشفوية، اتبعت ما هو معهودٌ السيرُ عليه في إعداد هذا النوع من الكتابات:
• الاستماع للحاج أحمد بوهالي في جلسات متتالية، وتسجيلها صوتا وصورة، ثم العود عليها بالنقل والتنقيح لعباراتها حتى تستوي وتتناسق فصولها.
• طرح بعض الأسئلة التي في جوابه عليها مزيد معلومة بتوضيح غامض، أو تحليل موقف هو الأقدر على التوضيح فيه، أو التحليل له.
• عرض العمل عليه في صيغته النهائية حتى يتأكد الجميع من صلاحيته للنشر عند عامة القراء والمهتمين.
• دُعِّمَتْ هذه الشهادة بألبوم صور بعضها ينشر لأول مرة، كشهادة تاريخية لأصحابها، وأغلبهم أفضى إلى ربه عز وجل، يرى فيها محبوهم ومتابعوهم شهادة حية، لمرحلة ما من كفاح أولئك الثلة الطاهرة في سبيل هذا الوطن ورفعته.
• من ميزات العمل التاريخي هو توفره على بعض الفهارس الفنية التي تخدمه، وقد سرت كذلك على هذا المنوال فأضفت فهرسين اثنين: أحدهما للأعلام، والثاني للأماكن الوارد ذكرها في ثنايا الصفحات، تسهيلا للرجوع وتوفيرا للجهد لمن لهم اهتمام بالدراسات التاريخية وخاصة من الطلبة والباحثين.
وفي آخر هذا العمل لا يسعني إلا أن أحمد الله تعالى على توفيقه، إنه ولي ذلك وأهله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أحمد محمد عزوز
بوسعادة في يوم الأربعاء 03 ذي القعدة 1441 من الهجرة الشريفة.
الموافق لـ: 24 جوان 2020م.
تصدير وتقديم
الملازم المجاهد الحاج علي مهيري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد:
لقد اطلعت على المذكرة التي كتبها الأخ المجاهد أحمد بوهالي، إذْ ألفيته عاد بنا إلى مرحلة جهادنا المقدس الذي تعاهدنا على خوضه في ثورة أول نوفمبر سنة أربع وخمسين، مع رفقة من الإخوان منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.
لقد عادت بي هذه الذكريات إلى أكثر من ستين عاما حيث قدم علينا الشاب أحمد بوهالي، متحمسا للبندقية والجهاد، في سبيل القضية الوطنية كما كان يطلق عليها حينها، في أواسط سنة 1956م في جبل مساعد، ونحن في قلة من المعين.
يعتبر أحمد بوهالي من أنشط عناصر المجاهدين للثورة والجهاد في سبيل الله، وأشجعهم في خوض المعارك، تكلف بمهام متنوعة تبعا للتكاليف التي نيطت به خلال مسيرته في الثورة المباركة.
فقد حضر وشارك في معارك عدة حاملا بندقيته، ومجابها للعدو في معارك منها الزرقة، والميمونة، والنسنيسة، وغيرها.
وتكلف بمهمة تموينية متمثلة في تموين للجيش بما يحتاجه من تحضير للألبسة الأحذية العسكرية.
ونحن في أمس الحاجة لمن يلي الجانب الصحي، بعد خوض المعارك والأعمال الحربية، تحمل المجاهد أحمد بوهالي بهذه المهمة أيضا، فقام بها خير ما يقوم به مخلص في أداء مهامه، فقد رأيناه ممرضا ومعالجا لآثار ما خلفته المعارك بمداواته الجرحى رفقة طبيب الولاية الرائد الشريف خير الدين رحمه الله.
ثم أمرته قيادة الولاية على رأس مجموعة في مهمة بالصحراء، لما لمسته فيه من الإخلاص والقدرة على أدائها والنجاح فيها.
وقد ذاق مرارة سجون الاحتلال ليذوق فيها ألوانا من العذاب، منها الصعق بالكهرباء، والضرب بالعصي، وأنواعا أخرى من العذاب النفسي، محاولا المستعمر من وراء ذلك افتكاك كلمة منه، يستعملها في إضعاف القضية الوطنية، ولكن كل جهود المستعمر ارتطمت بصلابة بعدنه، وثباته على مبادئه.
وقد انقطعت أخباره عنا، حتى اعتبرناه في عداد المفقودين، ولكن القدر له رأي آخر، حيث امتدت به الحياة ليشارك مرة أخرى في مسيرة هذا الوطن الكريمة بعد الاستقلال.
تعتبر شهادته هذه وثيقةً ينتفع بها المؤرخون وطلبة العلم، لما سجلته من أحداث، كان هو واحد من صناعها أو المشاركين فيها.
وإنني أدعو الله له ولبقية المجاهدين المخلصين وفور الصحة والعافية، وأن ينعم علينا بستره، إنه وليُّ ذلك وأهله.
الملازم علي مهيري
بوسعادة في يوم الاثنين 15 جويلية 2020م