وُلد مرزوك دحمان سنة 1936 بسيدي عامر، نشأ في كنف عائلة محافظة معروفة بتمسكها بالقيم الدينية والأخلاقية. في سنة 1944، انتقل مع عائلته إلى الجزائر العاصمة، حيث استقر في حي بلكور.
مع اندلاع الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر 1954، انضم دحمان إلى صفوف جبهة التحرير الوطني FLN في سنة 1955، وكان يبلغ من العمر 19 عامًا. بدأ نشاطه الثوري كفدائي، حيث كان يعمل مع مجموعة من المجاهدين الأبطال، مثل عاشور الحواس، ومنصوري النوي الجلالي، وأحمد باشا القبائلي، وبوعافية محمد الجلجلي، ومولود لوناس الروجي صاحب المقهى المعروف بمقهى الوناس المتواجد بحي بلكور مقابل أروقة الجزائر، والذي تحول فيما بعد إلى مقهى السنغال.
في عام 1957، انضمّ مرزوك دحمان إلى خلية جه_ادية نشطة على مستوى أحياء بلكور وأول ماي والزعاطشة والمدنية تحت قيادة المجاهد سي الطيب السياسي. ضمّت هذه الخلية مجموعة من المجاهدين من سيدي عامر مثل:
• فيشوش دحمان بن صالح
• امساعد لخضر بن رابح
• كمال المداني بن صالح
• مرزوق مصطفى بن أحمد
• مرزوق عبد الرحمن بن مصطفى
• مرزوق محمد بن صالح
كانت الخلية تقوم بعمليات نوعية ضد المستعمر الفرنسي، بما في ذلك تفجير القنابل والهجمات على مراكز العدو. استمرت هذه العمليات حتى ألقي القبض على المجاهد مولود الوناس، وصودرت المقهى التي كانت تستخدم كمقر للعمليات.
في 21 مارس 1956 خلال احتفالات الشعب التونسي بالاستقلال، تم القبض على مرزوق دحمان في البريد المركزي، كان يومها رفقة السيد مرزوق الصالح، وجهت له تهمة التحريض والعصيان المدني، وأقتيد إلى محافظة الأمن المركزي بساحة أول ماي، حيث تم احتجازه لمدة 26 يوماً مع عدد من المجاهدين الآخرين. خلال هذه الفترة، تعرّض مرزوك دحمان لأقسى أنواع التعذيب على يد الاحتلال الفرنسي.
بعد إطلاق سراحه، لم يتوقف عن نشاطه الثوري، وأسندت إليه مهمة قتل شرطي فرنسي عند المصعد الهوائي بمحطة المدنية. شارك في هذه العملية المجاهدون: عاشور الحواس ومحمد بوعافية والمجاهدة فاطمة الزهراء الغربية. تكللت العملية بالنجاح، ونجا جميع المنفذين. كردّ فعل على هذه العملية، قامت قوات الجيش الفرنسي بحصار المنطقة والقبض على العديد من الأشخاص، من بينهم المسعود لعماري وابنه الطيب. تحت وطأة التعذيب، اعترف المسعود لعماري بأن مرزوك دحمان وشقيقته مرزوك الزهرة بنت علي كانا من بين منفذي العملية.
بعد تلقي المعلومات، حاصرت القوات الاستعمارية منزل شقيقته مرزوك الزهرة وألقت القبض عليها. تم نقلها إلى الثكنة العسكرية رقم 411 بالمدنية، حيث تعرضت لأقسى أنواع التعذيب. دخلت في غيبوبة بعد تعرضها لكسور في أضلاعها وإجهاضها نتيجة التعذيب. نُقلت بعدها إلى مستشفى مصطفى باشا، حيث بقيت فيه لمدة 12 يوماً. تم عرضها على المحكمة التي أصدرت قرارًا بإطلاق سراحها مع إلزامها بالحضور اليومي إلى الثكنة العسكرية لتوقيع محضر إثبات تواجدها وعدم تنقلها إلا بإذن من السلطات الاستعمارية.
بعد هذه الأحداث ونتيجة للضغوطات الأمنية، اضطرّ مرزوك دحمان للعودة إلى مسقط رأسه بسيدي عامر لمواصلة نشاطه الثوري بجدية أكبر، مدركاً أن الحرية تستحق كل هذه التضحيات.. تولى مهمة إيصال الذخيرة والألبسة والأدوية للمجاهدين برفقة: محمد لعرابي وقرنة الحواس السامعي وعلي الحامدي. كانوا يلتقون في منزل السيد مرزوق صالح، إلا أن وشاية من اليهودية “استان” أدت إلى إلقاء القبض على أفراد عائلته: مرزوك بلقاسم ومرزوك أمحمد ومرزوك الصالح وزوجته السيدة سعدي قمير بنت أحمد. أُطلق سراحهم بعد أسبوع من الاحتجاز.
في مارس 1959، ألقي القبض على مرزوك دحمان من قبل السلطات الاستعمارية وسُجن ببوسعادة لمدة 39 يوماً. تعرّض للتعذيب الشديد خلال فترة اعتقاله، لكنه لم يتراجع عن مواقفه.
في 14 مارس 1962، ألقي القبض عليه مرة أخرى من قبل جيش الجنرال “سالون” الذي قام بتعذيبه ووضعه في الصندوق الخلفي للسيارة.
في محاولة يائسة لكسر إرادة سكان سيدي عامر وترهيبهم، قامت القوات الاستعمارية رفقة الخائن عبد الله السلمي بتجميع سكان سيدي عامر بالقوة في المدرسة القديمة. كان الهدف من هذا التجمع إلقاء خطاب تهديدي يبث الرعب في نفوسهم ويكسر عزيمتهم على المقاومة. لقد أراد الجيش الفرنسي من خلال هذا التجمع أن يظهر قوته ووحشيته، وأن يرسل رسالة واضحة بأن أي مقاومة ستواجه بعقوبات شديدة.
تم تنفيذ عملية التجميع بطريقة وحشية، حيث تم إخراج السكان من منازلهم تحت تهديد السلاح، وأُجبروا على التوجه إلى المدرسة القديمة. كان الجو مليئاً بالخوف والترقب، حيث كان السكان يعرفون أن الجيش الفرنسي لن يتوانى عن استخدام القوة ضدهم. تم إلقاء خطاب تهديدي مليء بالوعيد بالعقاب الجماعي لكل من يثبت تورطه في دعم جبهة التحرير الوطني FLN.
رغم الجو المرعب والتوتر الشديد، حاول بعض سكان سيدي عامر التدخل لإنقاذ مرزوك دحمان. كان من بين هؤلاء الشجعان السيد عمر بن زحلوق، الذي أظهر شجاعة نادرة وتحدّى الخائن عبد الله السلمي محاولاً منعه من إعدام مرزوك دحمان. لكن محاولاته لم تنجح، حيث تعرّض لضرب عنيف أودى بحياته لاحقاً.
إلى جانب عمر بن زحلوق، حاول الحاج إبراهيم بن الحوّاطي وأمساعد عمر المدعو “شنف” التدخل أيضاً لإنقاذ مرزوك دحمان. محاولين بكل طاقتهم منع تنفيذ الإعدام. لكن قوات الخائن عبد الله السلمي لم تتردد في إشهار السلاح في وجوههم، مهددةً إياهم بالموت إن لم يتراجعوا.
رغم كل محاولات الإنقاذ، تم اغت_يال مرزوك دحمان رمياً بالرصاص في منطقة “الشقة”. كانت هذه اللحظة مؤلمة جداً لسكان سيدي عامر الذين شاهدوا بعيونهم بطلاً من أبطال الثورة يسقط شهيداً دفاعاً عن وطنه. ارتوت الأرض بدمائه الطاهرة، لتلتحق روحه بالرفيق الأعلى.
كان يوم استشهاد مرزوك دحمان من أحلك وأصعب الأيام على سكان سيدي عامر. لقد فقدوا بطلاً وشهيداً، لكنهم لم يفقدوا الأمل والعزيمة. تجمع السكان لتوديع فقيدهم بدموع الحزن والفخر، موقنين أن دماء مرزوك دحمان ورفاقه لن تذهب سدى. كان هذا اليوم رمزاً للتضحية والشجاعة، ومثالاً حياً على صمود الشعب الجزائري في وجه الاستعمار الفرنسي. وبرغم الألم والفقد، زادت هذه الأحداث من عزيمة سكان سيدي عامر على مواصلة النضال حتى تحقيق الاستقلال.
وتقديراً لتضحيات الشهيد مرزوك دحمان، أُطلق اسمه على “ثانوية سيدي عامر” تخليداً لذكراه البطولية في مسقط رأسه. يمثل هذا التكريم رمزية عميقة، ليبقى الشهيد مصدر إلهام للأجيال الشابة في حب الوطن والتضحية من أجله، وتعزيزاً لقيم الانتماء الوطني في نفوس الطلاب، حيث تذكّرهم المدرسة يومياً بنضال أحد أبناء منطقتهم ضد الاستدمار الفرنسي.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
كتبه : سعيد النعمي.