محمد بن السنوسي الدّيسي.

أ/ النسب والنشأة:
الشيخ محمد بن السنوسي بن السعيد بن محمد بن السنوسي بن محمد بن عبد الرحمن، شخصية علمية، جمعت سعة الاطلاع مع عموم النّفع والنّصح للأمة، ينحدر من حاضرة الديس الشهيرة بأدبائها وشعرائها وأفاضلها، ولد بها حوالي سنة 1873م، وفي ربوعها نشأ وترعرع، وفي صميم بيوتاتها أخذ تربيته علمًا ومَسلكًا، فوالده الشيخ السعيد بن عبد الرحمن شقيق العلّامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن، رجلٌ خير، مجبولٌ على الفضل والصّلاح، كان غالب حاله السّكينة والتواضع وإتيان القناعة.
فمن هذا الأصلِ والأَرومةِ نَبَتَ الشيخ ابن السنوسي، وفي رعاية هذه العائلة الكريمة تفتّقت مواهبه، وصُقل طبعه وأَديمه، فَشغف قلبُه بحبّ العلم وأهله، وشجّعه محيطه حيث ربوع العلم والأدب على الاجتهاد والمثابرة، فحفظ القرآن الكريم في حَداثة سنه، واستوعب في دراسته الأولية معظم المتون المتداولة، كمختصر خليل، وألفية ابن مالك، والرّحبية، وملحة الإعراب، وغيرها من المتون التي اعتاد طلبة العلم حفظها، وقد لازم في مرحلة تعليمه الأولى عمّه الشيخ محمّد بن عبد الرّحمن فكان قارئه الخاص.
ب/ مشيخته:
أخذ الشيخ ابن السنوسي عن مشايخ بلدته وخاصة الشيخ محمد بن عبد الرحمن، ثم جاور المعهد القاسمي بالهامل مدة طويلة أتاحت له التعرّف على الشخصيات الأدبية والعلمية التي كانت تتردد على الزّاوية القاسمية والاستفادة منها، وعاصر مدة مكثه فيها ثلاثة من كبار علمائها، وهم: الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن، والشيخ سيدي محمد بن الحاج محمد، وأخيه الشيخ سيدي الحاج المختار، والثلاثة أخذوا الفقه عن الشيخ محمد بن أبي القاسم.
فأخذ عن عمّه الديسي علوم اللّغة من نحو وبلاغة وبيان، وسمع دروسه في شرح الأجرومية، والأزهرية، وقطر الندى، وشذور الذهب، وألفية بن مالك، وملحة الإعراب للحريري، ورسالة البيان للشيخ الدردير والجوهر المكنون، كل هذه المصنفات سمعها منه بحضرة مؤسس الزاوية.
كان ( رحمه الله) حريصا على التّعلّم، مجتهدا في تحصيل أنواع العلوم، حتى أثمر جهده فغدا يشار إليه بالبنان بين فقهاء البلدة وما جاورها، واكتسب بسبب علاقاته الواسعة مع العلماء والأعيان خبرة كبيرة في المجال الاجتماعي والسياسي، فطارت شهرته في الأوساط حتى صار من أهل الحل والعقد، ومن أصحاب المشورة في بلدة الديس وبوسعادة والهامل.
ج/ مهامه التعليمية والعملية:
تولى بعد تخرجه التدريس بزاوية الهامل مدة طويلة، فحرص على تعليم طلبته ما حصّله عن مشايخه وخاصّة مختصر خليل وعلوم اللّغة، أمّا المختصر فقد سبر غوره وكشف العويص من ألفاظه، وختم تدريسه بالزاوية عدة مرات، أمّا اللغة العربية فهي ميدانه الفسيح الذي جال فيه وأَسهب.
لم يقتصر نشاطه العلمي على المعهد القاسمي بالهامل بل وسّع دائرة تدريسه لتشمل مدينة بوسعادة، فعندما أسّس الشيخ الحاج خليفة محمد بن الزروق مدرسة الفتح سنة 1943م، شارك ضمن هيئة التدريس، فكان يدرس طلبة الطور الثاني، وفي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي لمّا تمّ تدشين جامع بلحطاب بمدينة ببوسعادة، التزم التدريس فيه، واتخذ من أحد غرفه الموجودة في الطابق العلوي مكان إقامة وراحة فترة تواجده ببوسعادة، كانت معظم دروسه في اللغة والنحو وخاصة الأجرومية وملحة الإعراب، إضافة إلى شرح متن ابن عاشر ورسالة أبي زيد القيرواني.
وسمات الشيخ ابن السنوسي الشخصية، من أنفةٍ وجدٍ ونشاطٍ وأمانةٍ، رفعت قَدره وسمت بمقامه، لينيط به الشيخ مصطفى القاسمي إضافة إلى منصب الأُستَاذية عملا إداريا آخر، وهو إدارة شؤون الزّاوية الخارجية، وهي وظيفة تحتاج إلى رجل يتسم بما تقتضيه الدبلوماسية من إلمام بالسياسة، ومعرفة بالواقع، وسعة الثقافة، وحسن المحاضرة، ولاخلاصه وصدق طويته « كُلّف – أيضا- بجرد أوقاف الزّاوية، وكتابة الرسائل، والرّد على الإخوان والمريدين في الفتاوى والنوازل التي كانت ترد إلى الزاوية».
لقد توسعت دائرة معارفه الأدبية والاجتماعية بسبب المهام الموكلة إليه، فاتصالاته لم تقتصر على أعيان الوطن بل شملت المغرب الأقصى وتونس باعتباره حلقة الوصل بينها وبين مشيخة الزاوية…. كما ربطته علاقات واسعة وطيبة مع شخصيات أدبية وفكرية كثيرة، منهم السيد ردوسي قدور بن مراد، صاحب المطبعة الثعالبية الشهيرة بنشر الكثير من المؤلفات العربية، والأمير خالد، والشيخ عبد الله بلحاج، وعبد الرحمن بن البيض، والحاج خليفة الزروق، والشيخ لخذاري محمد، والشيخ عبد القادر بن محمد بسكر وغيرهم.
د/ طلبته:
تتلمذ على يده جمع غفير من طلبة العلم منهم: الشيخ خليل القاسمي، والشيخ سعيد حرزلي، وأحمد بنعزوز القاسمي، والحاج المدني بن عبد الرحمن، والفقيه إبراهيم مرخوف، والأستاذ عبد القادر الدلاوي، وبلقاسم بن شميسة، وعبد القادر بوهالي، ووناس اشكيرين، والشيخ قدور دحيري، وبوراس أحمد، وطالب محمد بن شبيرة.
هـ/ وفاته: توفي رحمه الله سنة 1959م عن عمر يقارب السبعين.
و/ آثاره:
1: ترجمة الشّيخ محمد بن محمد بن عبد الرحن الديسي.
رسالة صغيرة الحجم ساق فيها تعريفا شاملا لجوانب من حياة الشيخ الديسي العلمية والاجتماعية، وكتبها على نسق واحد بلا تبويب ولافصل بين مضامينها، اشتملت نسبه ومولده، وأخلاقه، ورحلته فيطلب العلم، وتآليفه،ومكانته العلمية والعملية، ووفاته ومدفنه.
2: القصيدة الدندانية في الرّد على الطائفة الوهابية.
3: رسالة فقهية جمع فيها أراء فقهاء عصره في حكم زكاة النقود.
4: المدد في أحوال وأخبار الجدّ: في التعريف بنسب وجُذُوم أولا سيدي إبراهيم.
5: جني المحصول في شرح الفضول في إرجاع منطق العوام للأصول:
6: تقييدات في الأدب والنّحو واللّغة، سماها ( الزّهرة النّدية لطلاب العربية).
7: قطع شعرية مختلفة.

الاستاذ محمد بسكر

Mohamed

اضف رد

جميع الحقوق محفوطة لموقع بوسعادة انفو 2009 .. 2025
%d مدونون معجبون بهذه: