تحل علينا اليوم الذكرى 173 للانتصار التاريخي الذي حققه أولاد عامر على جيش الملازم ألكسندر بوبريتر Alexandre Beauprêtre يوم 26 أكتوبر 1849، هذه المعركة نستطيع أن نقول وبكل ثقة أنها من أسوأ الهزائم التي مُني بها الجيش الفرنسي في منطقة بوسعادة.
وسنتناولها من خلال ثلاثة محاور وهي :
1- أسباب المعركة.
2- مجريات ونتائج المعركة.
3- ما الذي قاله الفرنسيون عن هذه المعركة.
أولا – أسباب المعركة :
حسب ما ذكره المؤرخان الفرنسيان : الكولونيل روبن Robin و شارل فيرو Charles Féraud فإن هناك 4 أسباب جعلت القوات الفرنسية تقرر مهاجمة أولاد عامر ومحاولة إجبارهم على الخضوع والاستسلام بالقوة وهي
1-حماية أولاد عامر للخليفة السابق للأمير عبد القادر سي أحمد بن عمار ورفضوا تسليمه للفرنسيين في أوت 1849.
2-تأديب أولاد عامر لبعض القبائل التي أعلنت خضوعها للاحتلال في سبتمبر 1849م .
3-مشاركة أولاد عامر في انتفاضة #ابن_شبيرة ببوسعادة في أوائل أكتوبر 1849 .
4- هجوم أولاد عامر على قوافل الإمدادات الفرنسية المتجهة نحو الزعاطشة .
لهذه الأسباب – وغيرها- أمر الكولونيل بان Pein الملازم بوبريتر Beaupretre بالتوجه إلى أولاد عامر و “سحقهم” محذرًا إياه من قوة هذه القبيلة وشجاعة فرسانها.
حاول بوبريتر مدعومًا بـ 500 فارس مباغتة أولاد عامر وهم يؤدون صلاة عيد الأضحى ، واندلعت مواجهة شرسة حقق فيها أولاد عامر نصرا تاريخيا مؤزرا .
ثانيا- مجريات ونتائج المعركة :
مجريات المعركة ذكرها الملازم بوبريتر في تقريره العسكري الذي أرسله بعد نهاية المعركة إلى الكولونيل كومبراي، التقرير نقله كاملاً الكولونيل روبن في المجلة الإفريقية عدد 48 سنة 1904 ص 281 وتضمن مايلي :
– صبيحة يوم السبت 26 أكتوبر 1849م (الموافق لعيد الأضحى 10 ذي الحجة 1265هـ) على الساعة 06 صباحًا كانت قوات بوبريتر قد وصلت إلى منطقة العقلة البيضاء، واختار بوبريتر هذا التوقيت لمباغتة أولاد عامر أثناء تأديتهم صلاة العيد .
– حاول بوبريتر مباغتة أولاد عامر، ولكنه لم ينجح في ذلك، ويتساءل بورجاد Bourjade عن سبب فشل بوبريتر في مباغتة أولاد عامر قائلا : هل لأن أعين القبيلة كانت يقظة ؟ أم لأنهم على استعداد دائم للقتال ؟ ثم يكمل قائلا : “فما هي إلا رمشة عين حتى امتطى فرسان أولاد عامر صهوات جيادهم وقد استعدوا للقتال”.
– بدأ الهجوم على أولاد عامر بمجموعة من الحركى والخونة بقيادة يحيى بن عبدي قايد قياد ديرة والعريب، فقام أولاد عامر بصد هجومه، فطلب الدعم من فرسان بوبريتر.
– أرسل بوبريتر الخائن عبد القادر العذوري رفقة جيشه، حيث قام أولاد عامر باستدراجه إلى سفح جبل يحوي بعض الشجيرات حيث نصبوا له كمينًا، فأصابه أحد الثوار ( إبراهيم المتاح) بطلقة نارية أردته قتيلاً.
– مكان سقوط الخائن عبد القادر العذوري صار مركز المواجهة، وهناك حاصر أولاد عامر جيوش بوبريتر، وكانوا مسيطرين على المعركة، ولإلقاء الرعب في صفوف قوات العدو الفرنسي وخلخلة صفوفه قاموا بحرق جثة قائدهم عبد القادر العذوري.
– حين رأى الجنود الفرنسيون وأتباعهم من أولاد عبد الله والعريب وقوم ديرة جثة عبد القادر العذوري انتابهم رعب شديد، ففروا هاربين كل لوجهته، وقد حاول بوبريتر أن يعيدهم بكل الوسائل لكن أحدًا لم يستجب لأوامره.
– استغل أولاد عامر فرصة تشتت الجيش الفرنسي وانهيار معنوياته وفرارهم فتمكنوا من :
• قتل عميد الجيش وحامل البوق.
• وقتل 55 فارسًا و 25 من السبايس.
• وأسر حوالي 25 فارسًا.
– استطاع الملازم بوبريتر أن ينجو بنفسه بأعجوبة رفقة 3 مخازنية فقط (من أصل 500 فارس).
ثالثا- ما الذي قاله الفرنسيون عن هذه المعركة ؟
الكولونيل دوماس Daumas : وصف في أحد تقاريره العسكرية ما حدث لجيش بوبريتر بـ “القضية المأساوية” وقال في رسالة بعث بها إلى الرائد دوكرو Ducrot بأن : انتصار أولاد عامر “عقّد أمورنا”.
الكولونيل روبن Robin وصف هزيمة بوبريتر بـ “بالانتكاسة والخسارة الكبيرة”.
المؤرخ بورجاد Bourjade وصف المعركة بـ”الفاجعة بالنسبة للفرنسيين”.
أما المؤرخ شارل فيرو Charles Féraud فحمّل بوبريتر مسؤولية تلك الهزيمة لأنه – حسب رأيه – استخف بنصائح الكولونيل بان Pein الذي حذره من قوة أولاد عامر، ووصف المعركة “بالهزيمة النكراء التي لم يشهدها بوبريتر من قبل”.
لازال هذا الانتصار التاريخي حاضرا في الذاكرة الجماعية لأولاد عامر ، ويذكرونه بكل اعتزاز وافتخار ، ويرددون أبياتا من قصيدة لأحد شعراء وأبطال القبيلة هو سي امحمد بن غزال التي يقول في مطلعها :
معتا قصة بوبريط نهار العيد * جانا حارك قال ندي الحنانة
ماحبرش في رجال أتشد باليد * خرجو ليه أولاد عامر قتالة
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
للمزيد انظر :
سعيد النعمي، مقاومة أولاد عامر للاحتلال الفرنسي ، دار الخلدونية، الجزائر، ط 1، 2019، ص : 88-93.