الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة السعيدة 8 تاريخ وحضارة 8 رسالة وضعية قبيلة سيدي عامر بعد مواجهة قوات الاحتلال الفرنسي

رسالة وضعية قبيلة سيدي عامر بعد مواجهة قوات الاحتلال الفرنسي

شموخ يأبى الانحناء …
في مثل هذا اليوم الموافق ل17 ديسمبر 1849 وجّه الكولونيل الفرنسي دوماس رسالة إلى الرائد دوكرو من منطقة #عين_اشرب_واهرب بسيدي عامر، تناول فيها وضعية قبيلة أولاد عامر بعد المواجهات التي خاضتها ضد قوات الاحتلال الفرنسي، وخاصة عقب الهزيمة التي مُني بها جيش بوبريتر.
ذكر دوماس في رسالته أنه فرض على أولاد عامر ثلاثة إجراءات أساسية، وهي:
1. إعادة الخيول التي استولوا عليها من جيش بوبريتر.
2. العودة إلى أراضيهم الأصلية.
3. تسليم جميع الخيول التي يملكونها يومي 21 و22 من الشهر نفسه، ليتم نقلها لاحقا إلى سور الغزلان.
وأوضح أن الأوضاع بقيت مستقرة نسبيا إلى ذلك الحين، غير أن مسألة الغرامة ظلت مطروحة، وهو ما جعله يتردد في اتخاذ قرار نهائي بشأنها. وقد طرح على دوكرو سؤالا يعكس حيرته:
هل يُعد أولاد عامر مذنبين فعلا؟ وهل ينبغي معاملتهم بالقوة والشدة، أم باللين والمرونة؟ وطلب منه التفكير مليا قبل الرد، مؤكدا استعداده لتنفيذ ما يراه مناسبا.
كما أشار دوماس إلى أن قبيلة أولاد عامر أصبحت تعيش حالة اقتصادية صعبة للغاية بسبب كثرة تنقلها وهجرتها، وأن مواشيها فقدت قيمتها. ورغم ذلك، أكد أن بن يحيى العايب سيكون ضامنا لدفع الغرامة في حال فرضها، في انتظار توجيهات القيادة.
وفي ملاحظة أضافها في نهاية الرسالة، اقترح دوماس حلا بديلا لتخفيف حدة التوتر، يتمثل في:
إعادة الخيول التي أُخذت من جيش بوبريتر،
وفرض غرامة لا تدخل خزائن الدولة، بل تقدّم كتعويض لعائلات الجنود الذين قُتلوا، معتبرا أن هذا الإجراء قد يساهم في تهدئة النفوس وإطفاء مشاعر الحقد.
ومن خلال مضمون هذه الرسالة يمكن استخلاص ثلاث دلالات أساسية:
أولا:
تكشف الرسالة عن رغبة ملحة لدى السلطات الاستعمارية في محو أثر الهزيمة التي تعرض لها جيش بوبريتر، وذلك عبر استرجاع الخيول التي غنمها أولاد عامر، في محاولة لتحقيق نصر رمزي يعوّض الخسارة المعنوية التي لحقت بالجيش الفرنسي.
ثانيا:
تعكس الرسالة حالة الارتباك والتردد التي كان يعيشها الكولونيل دوماس في تعامله مع أولاد عامر، حيث بدا متخوفا من اللجوء إلى الحسم العسكري المباشر، خاصة بعد فشل الهجومين السابقين وما خلفاه من خسائر وإحباط نفسي في صفوف الجنود الفرنسيين، كما أشارت إلى ذلك بعض التقارير العسكرية الفرنسية.
ثالثا:
تُبرز الرسالة الوضع الاقتصادي الصعب الذي وصلت إليه قبيلة أولاد عامر نتيجة مقاومتها للاحتلال، إذ اضطرت إلى التنقل المستمر والعيش في حالة فرار وعدم استقرار. ومع ذلك، لم يدفعها هذا الوضع القاسي إلى الاستسلام أو الخضوع، بل واصلت التفاوض مع قوات الاحتلال من موقع قوة، وهو ما يدل على صلابة موقفها. ولا يستبعد أن تكون السلطات الاستعمارية قد فرضت عليها حصارا اقتصاديا، بمنعها من دخول أسواق بوسعادة والمسيلة وسيدي عيسى، بهدف التضييق عليها وإجبارها على القبول بشروط الاستسلام.
وهكذا، تكشف هذه الرسالة عن حقيقة مهمة مفادها أن مقاومة أولاد عامر لم تكن فعلا عابرا، بل كانت تعبيرا صريحا عن شموخ قبيلة أبت الانحناء، رغم القمع، والحصار، وقسوة الظروف.
المرجع:
سعيد النعمي، مقاومة أولاد عامر للاحتلال الفرنسي، دار الخلدونية، الطبعة الأولى، 2019، ص 102–103.

عن كل الاراء تعبر عن أصحابها ولا تعبر عن موقعنا

جميع الحقوق محفوطة لموقع بوسعادة انفو 2009 .. 2025